كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 240 """"""
والوساطة ؛ لأن فحوى التوقيع دليلٌ عليه .
ثم ينظر ، فإن كان التوقيع بالوساطة ، لم يلزمه إنهاء الحال إليه بعد الوساطة ، وإن كان بكشف الصورة ، لزمه إنهاء حالها إليه ؛ لأنه استخبار منه فيلزمه إجابته عنه .
فهذا حكم توقيعه إلى من إليه الولاية .
وأما إن وقع إلى من لا ولاية له ، كتوقيعه إلى فقيهٍ أو شاهد ، فلا يخلو حال توقيعه من ثلاثة أحوال : أحدها أن يكون بكشف الصورة ، والثاني أن يكون بالوساطة ، والثالث أن يكون بالحكم .
فإن كان التوقيع بكشف الصورة ، فعليه أن يكشفها وينهي منها ما يصح أن يشهد به ، ليجوز لناظر المظالم الحكم به .
فإن أنهى ما يجوز أن يشهد به ، كان خبراً لا يجوز أن يحكم به ، ولكن يجعله ناظر المظالم من الأمارات التي يغلب بها حال أحد الخصمين في الإرهاب وفضل الكشف .
فإن كان التوقيع بالوساطة ، توسط بينهما .
فإن أفضت الوساطة إلى صلح الخصمين لم يلزمه إنهاؤها ، وكان شاهداً فيها ، متى استدعي للشهادة أداها .
وإن لم تفض الوساطة إلى صلحهما ، كان شاهداً عليهما فيما اعترفا به عنده ، يؤديه إلى الناظر في المظالم إذا طلب للشهادة .
وإن كان التوقيع بالحكم بينهما ، فهذه ولايةٌ يراعى فيها معاني التوقيع ، ليكون نظره محمولاً على موجبه .
وإذا كان كذلك فللتوقيع حالتان : إحداهما : أن يحال فيه إلى إجابة الخصم إلى ملتمسه ؛ فيعتبر حينئذٍ فيه ما سأل الخصم في قصته ويصير النظر مقصوراً عليه ، فإن سأل الوساطة أو كشف الصورة كان التوقيع موجباً له ، وكان النظر مقصوراً عليه .
وسواء خرج التوقيع مخرج الأمر كقوله : أجبه إلى ملتمسه ، أو خرج مخرج الحكاية كقوله : رأيك في إجابته إلى ملتمسه موفقاً ؛ لأنه لا يقتضي ولاية يلزم حكمها ، فكان أمرها أخف .
وإن سأل المتظلم في قصته الحكم بينهما ، فلابد أن يكون الخصم في القصة مسمىً والخصومة مذكورة ، لتصح الولاية عليها .
فإن لم يسم الخصم ولم تذكر الخصومة ، لم تصح الولاية ، لأنها ليست ولاية عامة فيحمل على عمومها ، ولا خاصة للجهل بها .
وإن سمى رافع القصة خصمه وذكر خصومته ، نظر في التوقيع بإجابته إلى ملتمسه : فإن خرج مخرج الأمر فوقع أجبه إلى ملتمسه واعمل بما التمسه صحت ولايته في الحكم بينهما ، وإن خرج مخرج الحكاية للحال فوقع رأيك في إجابته إلى ملتمسه موفقاً ، فهذا التوقيع خارجٌ في الأعمال السلطانية مخرج الأمر ، والعرف باستعماله فيها معتاد .
وأما في الأحكام الدينية ، فقد جوزته طائفة من الفقهاء اعتباراً بالعرف ،

الصفحة 240