كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)
"""""" صفحة رقم 241 """"""
ومنعت طائفة أخرى من جوازه وانعقاد الولاية به حتى يقترن به أمرٌ تنعقد ولايته به ، اعتباراً بمعاني الألفاظ .
فلو كان رافع القصة سأل التوقيع بالحكم بينهما فوقع بإجابته إلى ملتمسه ، فمن يعتبر العرف المعتاد ، صحت الولاية عنده بهذا التوقيع ، ومن اعتبر معاني الألفاظ لم تصح عنده به .
والحالة الثانية من التوقيعات : ألا يقتصر فيه على إجابة الخصم إلى ما سأل ، ويستأنف فيه الأمر بما تضمنه ، فيصير ما تضمنه التوقيع هو المعتبر في الولاية .
وإذا كان كذلك ، فله ثلاثة أحوال : حال كمالٍ ، وحال جوازٍ ، وحال يخرج عن الأمرين .
فأما الحال التي يكون التوقيع فيها كاملاً في صحة الولاية ، فهو أن يتضمن شيئين : أحدهما الأمر بالنظر ، والثاني الأمر بالحكم ، فيذكر فيه : انظر بين رافع هذه القصة وبين خصمه ، واحكم بينهما بالحق وموجب الشرع .
فإذا كانت كذلك جاز ، لأن الحكم لا يكون إلا بالحق الذي يوجبه حكم الشرع . وإنما يذكر ذلك في التوقيعات وصفاً لا شرطاً .
فإن كان التوقيع جامعاً لهذين الأمرين من النظر والحكم ، فهو النظر الكامل ، ويصح به التقليد والولاية .
وأما الحال التي يكون بها التوقيع جائزاً مع قصوره عن حال الكمال ، فهو أن يتضمن الأمر بالحكم دون النظر ، فيذكر في توقيعه : احكم بين رافع هذه القصة وبين خصمه ، أو يقول : اقض بينهما ، فتصح الولاية بذلك ؛ لأن الحكم بينهما لا يكون إلا بعد تقدم النظر ، فصار الأمر به متضمناً للنظر ، لأنه لا يخلو منه .
وأما الحال التي يكون التوقيع بها خالياً من كمالٍ وجواز ، فهو أن يذكر فيه : انظر بينهما ؛ فلا تنعقد بهذا التوقيع ولاية ، لأن النظر بينهما قد يحتمل الوساطة الجائزة ويحتمل الحكم اللازم ؛ وهما في الاحتمال سواء ، فلم تنعقد به مع الاحتمال ولاية .
فإن ذكر فيه : انظر بينهما بالحق فقد قيل : إن الولاية به منعقدة ، لأن الحق ما لزم ؛ وقيل لا تنعقد به ، لأن الصلح والوساطة حقٌ وإن لم يلزم .
فهذه نبذةٌ كافيةٌ فيما يتعلق بنظر المظالم .
وقد يقع لهم من الوقائع والمخاصمات والقرائن ما لم نذكره ، فيجرى الحال فيها بحسب الوقائع والقرائن ؛ وإنما هذه أصول سياسية وقواعد فقهية فيحمل الأمر من أشباهها على منوالها ، ويحذى في أمثالها على مثالها .
والله الموفق .