كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)
"""""" صفحة رقم 244 """"""
لإزالته ، واختصاصها بمعروفٍ بيّنٍ هو مندوبٌ إلى إقامته .
وليس له أن يتجاوز ذلك إلى الحكم الناجز والفصل البات .
فهذا أحد وجهي الموافقة .
والوجه الثاني : أن له إلزام المدعى عليه الخروج من الحق الذي عليه .
وليس هذا على العموم في كل الحقوق ، وإنما هو خاصٌ في الحقوق التي جاز له سماع الدعوى فيها إذا وجبت باعترافٍ وإقرارٍ مع الإمكان واليسار ، فيلزم المقر الموسر الخروج منها ودفعها إلى مستحقها ، لأن في تأخيره لها منكراً هو منصوبٌ لإزالته .
قصورها عن أحكامه .
فأحدهما : قصورها عن سماع الدعاوى الخارجة عن ظواهر المنكرات من الدعاوى في العقود والمعاملات وسائر الحقوق والمطالبات ، فلا يجوز أن ينتدب لسماع الدعوى ولا أن يتعرض للحكم فيها لا في كثير الحقوق ولا قليلها من درهمٍ فما دونه ، إلا أن يرد إليه ذلك بنصٍ صريح يزيد على إطلاق الحسبة فيجوز له .
ويصير بهذه الزيادة جامعاً بين القضاء والحسبة ، فيراعى فيه أن يكون من أهل الاجتهاد .
وإن اقتصر به على مطلق الحسبة ، فالقضاة والحكام أحق بالنظر في قليل ذلك وكثيره .
والوجه الثاني : أنها مقصورةٌ على الحقوق المعترف بها .
فأما ما تداخله جحدٌ وإنكارٌ ، فلا يجوز له النظر فيها ، لأن الحكم فيها يقف على سماع بينةٍ وإحلاف يمين ، ولا يجوز للمحتسب أن يسمع بينةً على إثبات حقٍ ، ولا أن يحلف يميناً على نفيه ؛ والقضاة والحكام لسماع البينات وإحلاف الخصوم أحق .
وأما الوجهان في زيادتها على أحكام القضاء
فأحدهما : أنه يجوز للناظر فيها أن يتعرض لتصفح ما يأمر به من المعروف وينهى عنه من المنكر ، وإن لم يحضره خصمٌ مستعدٍ ؛ وليس للقاضي أن يتعرض لذلك إلا بعد حضور خصم يجوز له سماع الدعوى منه .
فإن تعرض القاضي لذلك فقد خرج عن منصب ولايته وصار متجوزاً في قاعدة النظر .
والثاني : أن للناظر في الحسبة من سلاطة السلطنة واستطالة الحماة فيما تعلق بالمنكرات ما ليس للقضاة ؛ لأن الحسبة موضوعةٌ على الرهبة ، فلا يكون خروج المحتسب إليها بالسلاطة والغلظة تجوزاً فيها ولا خرقاً .
والقضاء موضوعٌ للمناصفة فهو بالأناة والوقار أخص ، وخروجه عنهما إلى السلاطة تجوزٌ وخرق ، لأن موضوع كل واحدٍ من المنصبين مختلفٌ ، فالتجاوز فيه خروج عن حده .