كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 245 """"""
وأما بين الحسبة والمظالم فبينهما شبهٌ مؤتلف ، وفرقٌ مختلف .
فأما الشبه الجامع بينهما فمن وجهين : أحدهما : أن موضوعهما على الرهبة المختصة بسلاطة السلطنة وقوة الصرامة .
والثاني : جواز التعرض فيهما لأسباب المصالح والتطلع إلى إنكار العدوان الظاهر .
الفرق بينهما
فمن وجهين : أحدهما : أن النظر في المظالم موضوعٌ لما عجز عنه القضاة ، والنظر في الحسبة موضعٌ لما رفه عنه القضاة ؛ ولذلك كانت رتبة المظالم أعلى ، ورتبة الحسبة أخفض ، وجاز لوالي المظالم أن يوقع إلى القضاة والمحتسبة ، ولم يجز للقاضي أن يوقع إلى والي المظالم وجاز له أن يوقع إلى المحتسب ، ولم يجز للمحتسب أن يوقع إلى واحدٍ منهما .
فهذا فرق .
والثاني : أنه يجوز لوالي المظالم أن يحكم ، ولا يجوز ذلك للمحتسب .
وحيث قدمنا هذه المقدمة في أوضاع الحسبة ، فلنذكر ما تشتمل عليه ولايتها .
ذكر ما تشتمل عليه ولاية الحسبة وما يختص بها من الأحكام
.
ونظر الحسبة يشتمل على فصلين : أحدهما أمرٌ بمعروف ، والثاني نهيٌ عن منكر .
فأما الأمر بالمعروف فينقسم إلى ثلاثة أقسام : أحدها ما تعلق بحقوق الله عز وجل .
والثاني ما تعلق بحقوق الآدميين .
والثالث ما كان مشتركاً بينهما ، على ما سنوضح ذلك .
المتعلق بحقوق الله تعالى
فضربان : أحدهما : ما يلزم الأمر به في الجماعة دون الانفراد ، كترك الجمعة في وطنٍ مسكون ؛ فإن كانوا عدداً قد اتفق على انعقاد الجمعة بهم كالأربعين فما زاد ، فواجبٌ أن يأخذهم بإقامتها ويأمرهم بفعلها ويؤدب على الإخلال بها .
وإن كانوا عدداً قد اختلف في انعقاد الجمعة بهم ، فله ولهم أربعة أحوال : إحداها : أن يتفق رأيه ورأي القوم على انعقاد الجمعة بذلك العدد ، فواجبٌ عليه أن يأمرهم بإقامتها ، وعليهم أن يسارعوا إلى أمره بها ، ويكون في تأديبهم على تركها ألين منه في تأديبهم على ترك ما انعقد الإجماع عليه .

الصفحة 245