كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 246 """"""
والحال الثانية : أن يتفق رأيه ورأي القوم على أن الجمعة لا تنعقد بهم ، فلا يجوز أن يأمرهم بإقامتها ولا بالنهي عنها لو أقيمت .
والحال الثالثة : أن يرى القوم انعقاد الجمعة بهم ولا يراه المحتسب ، فلا يجوز له أن يعارضهم فيها : فلا يأمر بإقامتها لأنه لا يراه ، ولا ينهى عنها ويمنعهم مما يرونه فرضاً عليهم .
والحال الرابعة : أن يرى المحتسب انعقاد الجمعة بهم ولا يراه القوم ، فهذا مما في استمرار تركه تعطيل الجمعة مع تطاول الزمان وبعده وكثرة العدد وزيادته ، فهل للمحتسب أن يأمرهم بإقامتها اعتباراً بهذا المعنى ، أم لا ؟ فقد اختلف الفقهاء في ذلك على وجهين : أحدهما : - وهو قول أبي سعيد الإصطخري - أنه يجوز له أن يأمرهم بإقامتها اعتباراً بالمصلحة ، لئلا ينشأ الصغير على تركها فيظن أنها تسقط مع زيادة العدد كما تسقط بنقصانه ؛ فقد راعى زياد بن أبيه مثل هذا في صلاة الناس في جامعي البصرة والكوفة ، فإنهم كانوا إذا صلوا في صحبه فرفعوا من السجود مسحوا جباههم من التراب ، فأمر بإلقاء الحصى في صحن المسجد ، وقال : لست آمن أن يطول الزمان فيظن الصغير إذا نشأ أن مسح الجبهة من أثر السجود سنةٌ في الصلاة .
والوجه الثاني : أنه لا يتعرض لأمرهم بها ، لأنه ليس له حمل الناس على اعتقاده ، ولا أن يأخذهم في الدين برأيه ، مع تسويغ الاجتهاد فيه ، وأنهم يعتقدون أن نقصان العدد يمنع من إجزاء الجمعة .
فأما أمرهم بصلاة العيد فله أن يأمرهم بها .
وهل يكون الأمر بها من الحقوق اللازمة أو من الحقوق الجائزة ؟ على وجهين من اختلاف أصحاب الشافعي فيها : هل هي مسنونةٌ أو من فروض الكفاية .
فإن قيل : إنها مسنونةٌ ، كان الأمر بها ندبا ؛ وإن قيل : إنها من فروض الكفاية ، كان الأمر بها حتما .
فأما صلاة الجماعة في المساجد وإقامة الأذان فيها للصلوات ، فمن شعائر الإسلام وعلامات متعبداته التي فرق بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين دار الإسلام ودار الشرك .
فإذا أجمع أهل محلة أو بلد على تعطيل الجماعات في مساجدهم وترك الأذان في أوقات صلواتهم ، كان المحتسب مندوباً إلى أمرهم بالأذان والجماعة في الصلوات .
وهل ذلك واجبٌ عليه يأثم بتركه ، أو مستحبٌ له يثاب على فعله .
فأما من ترك صلاة الجماعة من آحاد الناس أو ترك الأذان والإقامة لصلاة ، فلا اعتراض للمحتسب عليه إذا لم يجعله عادةً وإلفاً ، لأنها من الندب الذي يسقط بالأعذار ، إلا أن يقترن به

الصفحة 246