كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)
"""""" صفحة رقم 247 """"""
استرابة أو يجعله إلفاً وعادةً ، ويخاف تعدي ذلك إلى غيره في الاقتداء به ، فيراعى حكم المصلحة في زجره عما استهان به من سنن عبادته .
ويكون وعيده على ترك الجماعة معتبراً بشواهد حاله ، كالذي روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : " لقد هممت أن آمر أصحابي أن يجمعوا حطباً وآمر بالصلاة فيؤذن لها وتقام ثم أخالف إلى منازل قومٍ لا يحضرون الصلاة فأحرقها عليهم " .
وأما ما يأمر به أحاد الناس و أفرادهم ، فكتأخير الصلاة حتى يخرج وقتها ، فيذكر بها ويؤمر بفعلها .
ويراعي جواب المأمور عنها ، فإن قال : تركتها لنسيان ، حثه على فعلها بعد ذكره ولم يؤدبه .
وإن تركها لتوانٍ أدبه زجراً وأخذه بفعلها جبرا .
ولا اعتراض على من أخرها والوقت باق ، لاختلاف الفقهاء في فضل التأخير .
ولكن لو اتفق أهل بلدٍ على تأخير صلاة الجماعات إلى آخر وقتها والمحتسب يرى فضل تعجيلها ، فهل له أن يأمرهم بالتعجيل أو لا .
فمن رأى أنه يأمرهم بذلك ، راعى أن اعتياد تأخيرها وإطباق جميع الناس عليه مفضٍ إلى أن الصغير ينشأ وهو يعتقد أن هذا هو الوقت دون ما قبله ؛ ولو عجلها بعضهم ترك من آخرها منهم وما يراه من التأخير . فأما الأذان والقنوت في الصلوات إذا خالف فيه رأي المحتسب فلا اعتراض له فيه بأمرٍ ولا نهي وإن كان يرى خلافه ، إذا كان ما يفعل مسوغاً في الاجتهاد .
وكذلك الطهارة إذا فعلها على وجه سائغ يخالف فيه رأي المحتسب : من إزالة النجاسة بالمائعات ، والوضوء بماءٍ تغير بالمذرورات الطاهرات ، أو الاقتصار على مسح أقل الرأس ، والعفو عن قدر الدرهم من النجاسة ، فلا اعتراض له في شيء من ذلك بأمر ولا نهي .
وفي اعتراضه عليهم في الوضوء بالنبيذ عند عدم الماء وجهان ، لما فيه من الإفضاء إلى استباحته على كل الأحوال ، وأنه ربما آل إلى السكر من شربه .
ثم على نظائر هذا المثال تكون أوامره بالعرف في حقوق الله تعالى .
في حقوق الآدميين
فضربان : عام وخاص .
فأما العام : فكالبلد إذا تعطل شربه ، أو استهدم سوره ، أو كان يطرقه بنو السبيل من ذوي الحاجات فكفوا عن معونتهم ، فإن كان في بيت المال مالٌ ، لم يتوجه عليهم فيه أمرٌ بإصلاح شربهم وبناء سورهم ولا بمعونة بني السبيل في