كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)
"""""" صفحة رقم 248 """"""
الاجتياز بهم ؛ لأنها حقوق تلزم بيت المال دونهم ؛ وكذلك لو استهدمت مساجدهم وجوامعهم .
فأما إذا أعوز بيت المال ، كان الأمر ببناء سورهم ، وإصلاح شربهم ، وعمارة مساجدهم وجوامعهم ، ومراعاة بني السبيل فيهم متوجهاً إلى كافة ذوي المكنة منهم ولا يتعين أحدهم في الأمر به .
فإن شرع ذوو المكنة في عمله ومراعاة بني السبيل ، وباشروا القيام به ، سقط عن المحتسب حق الأمر به .
ولا يلزمهم الاستئذان في مراعاة بني السبيل ، ولا في بناء ما كان مهدوما .
ولكن لو أرادوا هدم ما يريدون بناءه من المسترم والمستهدم ، لم يكن لهم الإقدام على هدمه إلا باستئذان ولي الأمر دون المحتسب ، ليأذن لهم في هدمه بعد تضمينهم القيام بعمارته .
هذا في السور والجوامع .
وأما المساجد المختصرة فلا يستأذنون فيها .
وعلى المحتسب أن يأخذهم ببناء ما هدموه ، وليس له أن يأخذهم بإتمام ما استأنفوه .
فأما إذا كف ذوو المكنة عن بناء ما استهدم ، فإن كان المقام في البلد ممكنا وكان الشرب وإن فسد مقنعا ، تاركهم إياه .
وإن تعذر المقام فيه ، لتعطل شربه واندحاض سوره ، نظر : فإن كان البلد ثغراً يضر بدار الإسلام تعطيله ، لم يجز لولي الأمر أن يفسح في الانتقال عنه ، وكان حكمه حكم النوازل إذا حدثت : في قيام كافة ذوي المكنة به ، وكان تأثير المحتسب في مثل هذا إعلام السلطان به وترغيب أهل المكنة في عمله .
وإن لم يكن البلد ثغراً مضراً بدار الإسلام ، كان أمره أيسر وحكمه أخف .
ولم يكن للمحتسب أن يأخذ أهله جبراً بعمارته ، لأن السلطان أحق أن يقوم بعمارته .
وإن أعوزه المال ، فيقول لهم المحتسب : ما دام عجز السلطان عنه أنتم مخيرون بين الانتقال عنه أو التزام ما ينصرف في مصالحه التي يمكن معها دوام استيطانه .
فإن أجابوا إلى التزام ذلك ، كلف جماعتهم ما تسمح به نفوسهم من غير إجبار ، ويقول : ليخرج كل واحد منكم ما يسهل عليه وتطيب به نفسه ، ومن أعوزه المال أعان بالعمل .
حتى إذا اجتمعت كفاية المصلحة أو تعين اجتماعها بضمان كل واحد من أهل المكنة قدراً طاب به نفساً ، شرع حينئذ في عمل المصلحة وأخذ كل واحد من الجماعة بما التزم به .
وإن عمت هذه المصلحة ، لم يكن للمحتسب أن يتقدم بالقيام بها حتى يستأذن السلطان فيها ، لئلا يصير بالتفرد مفتاتا عليه ، إذ ليست هذه المصلحة من معهود حسبته .
فإن قلت وشق