كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)
"""""" صفحة رقم 250 """"""
فأما النهي عنها في حقوق الله تعالى : فعلى ثلاثة أقسام : أحدها ما تعلق بالعبادات .
والثاني ما تعلق بالمحظورات .
والثالث ما تعلق بالمعاملات .
فأما المتعلق بالعبادات : فكالقاصد مخالفة هيئتها المشروعة ، والمتعمد تغيير أوصافها المسنونة ، مثل من يقصد الجهر في صلاة الإسرار والإسرار في صلاة الجهر ، أو يزيد في الصلاة أو في الأذان أذكاراً غير مسنونة ، فللمحتسب إنكارها وتأديب المعاند فيها إذا لم يقل بما ارتكبه إمامٌ متبوع .
وكذلك إذا أخل بتطهير جسده أو ثوبه أو موضع صلاته ، أنكره عليه إذا تحقق ذلك منه ، ولا يؤاخذه بالتهم والظنون .
وكذلك لو ظن برجل أنه يترك الغسل من الجنابة أو يترك الصلاة والصيام ، لم يؤاخذه بالتهم ولم يقابله بالإنكار .
لكن يجوز له بالتهمة أن يعظ ويحذر من عذاب الله تعالى على إسقاط حقوقه والإخلال بمفروضاته .
فإن رآه يأكل في شهر رمضان لم يقدم على تأديبه إلا بعد سؤاله عن سبب أكله إذا التبست أحواله ؛ فربما كان مريضا أو مسافراً .
ويلزمه السؤال إذا ظهرت منه أمارات الريب .
فإن ذكر من الأعذار ما تحتمله حاله ، كف عن زجره وأمره بإخفاء أكله ، لئلا يعرض نفسه للتهمة .
ولا يلزمه إحلافه عند الاسترابة بقوله ، لأنه موكول إلى أمانته .
وإن لم يذكر عذراً ، جاهر بالإنكار عليه وأدبه أدب زجر .
وإذا علم عذره في الأكل ، أنكر عليه المجاهرة به ، لتعريض نفسه للتهمة ولئلا يقتدي به من ذوي الجهالة من لا يميز حال عذره من غيره .
وأما الممتنع من إخراج زكاته ، فإن كان من الأموال الظاهرة ، فعامل الصدقة يأخذها منه جبراً أخص من المحتسب .
وإن كان من الأموال الباطنة ، فيحتمل أن يكون المحتسب أخص بالإنكار عليه من عامل الصدقة ، لأنه لا اعتراض للعامل في الأموال الباطنة ؛ ويحتمل أن يكون العامل بالإنكار عليه أخص ، لأنه لو دفعها إليه أجزأه .
ويكون تأديبه معتبراً بشواهد حاله في الامتناع من إخراج زكاته .
وإن ذكر أنه يخرجها ، سراً وكل إلى أمانته فيها .
وإن رأى رجلاً يتعرض لمسألة الناس وطلب الصدقة وعلم أنه غني إما بمال أو عملٍ ، أنكره عليه وأدبه .
ولو رأى عليه آثار الغنى وهو يسأل الناس ، أعلمه تحريمها على المستغني عنها ، ولم ينكر عليه ، لجواز أن يكون في الباطن فقيرا .
وإذا تعرض للمسألة ذو جلدٍ وقوة على العمل ، زجره وأمره أن يتعرض للاحتراف بعمله ؛ فإن أقام على المسألة عزره حتى يقلع عنها .
وإذا دعت الحال ، عند إلحاح من حرمت عليه المسألة بمالٍ أو عمل ، أن ينفق على ذي المال جزءاً من ماله ، ويؤاجر ذا العمل وينفق عليه من أجرته ، لم يكن للمحتسب أن يفعل