كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 251 """"""
ذلك بنفسه ؛ لأن هذا حكم ، والحكام به أحق ، فيرفع أمره إلى الحاكم ليتولى ذلك أو يأذن فيه .
وإذا وجد فيمن يتصدى للعلوم الشرعية من ليس من أهلها من فقيهٍ أو واعظٍ ولم يأمن اغترار الناس به في سوء تأويلٍ أو تحريف ، أنكر عليه التصدي لما ليس هو من أهله ، وأظهر أمره لئلا يغتر به . وإن أشكل عليه أمره لم يقدم عليه بالإنكار إلا بعد الاختبار .
وكذلك لو ابتدع بعض المنتسبين إلى العلم قولاً خرق به الإجماع وخالف النص ورد قوله علماء عصره ، أنكر عليه وزجره فإن أقلع وتاب ، وإلا فالسلطان بتهذيب الدين أحق .
وإذا تفرد بعض المفسرين لكتاب الله عز وجل بتأويلٍ عدل فيه عن ظاهر التنزيل إلى باطن بدعة بتكلفٍ له أغمض معانيه ، أو انفرد بعض الرواة بأحاديث مناكير تنفر منها النفوس أو يفسد بها التأويل ، كان على المحتسب إنكار ذلك والمنع منه .
وهذا إنما يصح منه إنكاره إذا تميز عنده الصحيح من الفاسد والحق من الباطل .
وذلك بأحد وجهين : إما أن يكون بقوته في العلم واجتهاده فيه ، فلا يخفى ذلك عليه ؛ وإما باتفاق علماء الوقت على إنكاره وابتداعه ، فيستعدونه فيه ، فيعول في الإنكار على أقاويلهم ، وفي المنع منه على اتفاقهم .
وأما ما تعلق بالمحظورات : فهو أن يمنع الناس من مواقف الريب ومظان لتهم .
فقد روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " .
فيقدم الإنكار ، ولا يعجل بالتأديب قبل الإنذار .
وإذا رأى وقفة رجل مع امرأة في طريقٍ سابلٍ لم تظهر منه أمارات الريب ، لم يعترض عليهما بزجرٍ ولا إنكار ، فما يجد الناس بداً من هذا .
وإن كانت الوقفة في طريقٍ خالٍ ، فخلو المكان ريبةٌ ، فينكرها ؛ ولا يعجل في التأديب عليهما حذراً من أن تكون ذات محرمٍ .
وليقل : إن كانت ذات محرم فصنها عن مواقف الريب ، وإن كانت أجنبية فخف الله تعالى من خلوةٍ تؤديك إلى معصية الله .
وليكن زجره بحسب الأمارات .
وليستخبر .
فقد حكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بينا هو يطوف بالبيت إذ رأى رجلاً يطوف وعلى عنقه امرأةٌ مثل المهاة حسناء جميلة ، وهو يقول :
عدت لهذي جملاً ذلولا . . . موطأً أتبع السهولا
أعدلها بالكف أن تميلا . . . أحذر أن تسقط أو تزولا
أرجو بذلك نائلاً جزئلا

الصفحة 251