كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 253 """"""
وأما ما لم يظهر من المحظورات ، فليس للمحتسب أن يبحث عنها ولا أن يهتك الأستار فيها ؛ فقد روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : " من أتى من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله عليه " . فإن استتر أقوام لارتكاب محظورٍ يخشى فواته مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلاً خلا برجل ليقتله أو امرأةٍ ليزني بها ، فيجوز له في مثل هذه الحال أن يتجسس ويقدم على الكشف والبحث ، حذراً من فوات ما لا يستدرك من انتهاك المحارم وارتكاب المحظورات .
وهكذا لو عرف ذلك قومٌ من المتطوعة جاز لهم الإقدام على الكشف والإنكار .
وأما ما هو دون هذه الرتبة ، فلا يجوز التجسس عليه ولا كشف الأستار عنه .
وإن سمع أصوات ملاهٍ منكرة من دار تظاهر أهلها بأصواتهم ، أنكرها خارج الدار ولم يهجم عليها بالدخول .
وأما ما تعلق بالمعاملات المنكرة ، كالربا والبيوع الفاسدة وما منع الشرع منه مع تراضي المتعاقدين به إذا كان متفقاً على حظره ، فعلى والي الحسبة إنكاره والمنع منه الزجر عليه .
وأمره بالتأديب مختلفٌ بحسب الأحوال وشدة الحظر .
فأما ما اختلف الفقهاء في حظره وإباحته ، فلا مدخل له في إنكاره ، إلا أن يكون مما يضعف الخلاف فيه وكان ذريعةً إلى محظور متفقٍ عليه - كربا النقدين : الخلاف فيه ضعيف ، وهو ذريعةٌ إلى ربا النساء المتفق على تحريمه - فهل يدخل في إنكاره ، أم لا .
وكذلك في عقود الأنكحة ينكر منها ما اتفق الفقهاء على حظرها ، ولا يتعرض لما اختلف فيه ، إلا أن يكون مما ضعف الخلاف فيه وكان ذريعةً إلى محظور متفق عليه ، كالمتعة فربما صارت ذريعةً إلى استباحة الزنا ، ففي إنكاره لها وجهان .
ومما يتعلق بالمعاملات غش المبيعات وتدليس الأثمان ، فينكره ويمنع منه ويؤدب عليه بحسب الحال فيه ؛ فقد روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : " ليس منا من غش " وفي لفظ : " من غشنا فليس منا " .
فإن كان هذا الغش تدليساً على المشتري وهو مما يخفى عليه ، فهو أغلظ الغشوش تحريماً وأعظمها مأثما ، والإنكار عليه أغلظ والتأديب أشد .
وإن كان مما لا يخفى على المشتري ، كان أخف مأثما وألين إنكارا .
وينظر في المشتري : فإذا كان اشتراه ليبيعه من غيره ، توجه الإنكار على البائع لغشه ، وعلى المشتري لابتياعه ؛ لأنه قد يبيعه من لم يعلم بغشه ؛ وإن كان المشتري اشتراه ليستعمله ، خرج من جملة الإنكار ، واختص الإنكار بالبائع وحده .
وكذلك في تدليس الأثمان .

الصفحة 253