كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 254 """"""
ويمنع من تصرية المواشي وتحفيل ضروعها عند البيع ، للنهي عنه وأنه نوع من التدليس .
ومما هو عمدة نظره المنع من التطفيف والبخس في المكاييل والموازين والصنجات ، لوعيد الله تعالى عليه بقوله : " ويلٌ للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون " .
وليكن الأدب عليه أظهر ، والمعاقبة فيه أكثر .
ويجوز له إذا استراب بموازين السوقة ومكاييلهم أن يختبرها ويعايرها .
ولو كان على ما عايره منها طابعٌ معروفٌ بين العامة لا يتعاملون إلا به ، كان أحوط وأسلم .
فإن فعل ذلك وتعامل قومٌ بغير ما طبع عليه طابعه ، توجه الإنكار عليهم إن كان مبخوساً ، من وجهين : أحدهما مخالفته في العدول عن مطبوعه ؛ وإنكاره لذلك من الحقوق السلطانية .
والثاني للبخس والتطفيف ؛ وإنكاره من الحقوق الشرعية .
وإن كان ما تعاملوا به من غير المطبوع سليماً من بخس ونقص ، فإنكاره لمجرد حق السلطنة للمخالفة .
وإن زور قومٌ على طابعه ، كالبهرج على طابع الدنانير والدراهم ، فإن قرن التزوير بغش ، كان التأديب مستحقاً من الوجهين ، وهو أغلظ وأشد ؛ وإن سلم من الغش كان الإنكار لحق السلطنة خاصة .
وإذا اتسع البلد حتى احتاج أهله إلى عدة من الكيالين والوزانين والنقاد ، تخيرهم ناظر الحسبة ، ومنع أن ينتدب لذلك إلا من ارتضاه من الأمناء الثقات .
وكانت أجورهم من بيت المال إن اتسع لها ، فإن ضاق عنها قدرها لهم ، حتى لا تجري بينهم فيها استزادةٌ أو نقصان ، فيكون ذلك ذريعةً إلى الممايلة أو التحيف في مكيل أو موزون .
فإن ظهر من أحدٍ ممن اختاره للكيل والوزن تحيفٌ في تطفيف أو ممايلةٌ في زيادة ، أدب وأخرج منهم ومنع من يتعرض للوساطة بين الناس .
وكذلك القول في اختيار الدلالين ، يقر منهم الأمناء ويمنع الخونة .
وإذا وقع في تطفيف تخاصمٌ ، جاز أن ينظر المحتسب فيه إن لم يقترن به تجاحدٌ وتناكر ، فإن أفضى إلى تجاحدٍ وتناكر ، كان القضاة أحق بالنظر فيه من ولاة الحسبة ، لأنهم أحق بالأحكام ، وكان التأديب فيه إلى المحتسب .
فإن ولاه الحاكم جاز ، لاتصاله بحكمه .

الصفحة 254