كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)
"""""" صفحة رقم 255 """"""
ومما ينكره المحتسب في العموم ولا ينكره في الخصوص والآحاد ، التبايع بما لم يألفه أهل البلد من المكاييل والأوزان التي لا تعرف فيه وإن كانت معروفة في غيره .
فإن تراضى بذلك اثنان ، لم يعترض عليهما بالإنكار والمنع ، ويمنع من عموم التعامل بها ، لأنه قد يعاملهم فيها من لا يعرفها فيصير مغروراً .
هذا ما يتعلق بالنهي في حقوق الله تعالى .
وأما النهي في حقوق الآدميين المحضة : مثل أن يتعدى رجل في حد لجاره ، أو حريم لداره ، أو وضع أجذاعٍ على جداره ، فلا اعتراض للمحتسب فيه ما لم يستعده الجار ، لأنه حقٌ يخصه يصح منه العفو عنه والمطالبة به ؛ فإن خاصمه فيه إلى المحتسب ، نظر فيه ، ما لم يكن بينهما تنازعٌ وتناكر ، وأخذ المتعدي بإزالة تعديه ؛ وكان تأديبه عليه بحسب شواهد الحال .
فإن تنازعا كان الحاكم بالنظر فيه أحق .
ولو أقر الجار جاره على تعديه وعفا عن مطالبته بهدم ما تعدى فيه ثم عاد وطالب بذلك ، كان ذلك له ، وأخذ المتعدي بعد العفو عنه بهدم ما بناه .
وإن كان قد ابتدأ البناء ووضع الأجذاع بإذن الجار ثم رجع الجار في إذنه ، لم يؤخذ الباني بهدمه .
وإن انتشرت أغصان شجرة إلى دار جاره ، كلن للجار أن يستعدي المحتسب حتى يعديه على صاحب الشجرة ، ليأخذه بإزالة ما انتشر من أغصانها في داره ؛ ولا تأديب عليه لأن انتشارها ليس من فعله .
ولو انتشرت عروق الشجرة تحت الأرض حتى دخلت في قرار أرض الجار ، لم يؤخذ بقلعها ولم يمنع الجار من التصرف في قرار أرضه وإن قطعها .
وإذا نصب المالك تنوراً في داره فتأذى الجار بدخانه ، لم يعترض عليه ولم يمنع منه .
وكذلك لو نصب في داره رحىً أو وضع فيها حدادين أو قصارين ، لم يمنع منه .
وإذا تعدى مستأجر على أجير في نقصان أجره أو زيادة عمل ، كفه عن تعديه ؛ وكان الإنكار عليه معتبراً بشواهد حاله .
ولو قصر الأجير في حق المستأجر فنقصه من العمل أو استزاده في الأجرة ، منع منه وأنكره عليه إذا تخاصما إليه ؛ فإن اختلفا وتناكرا ، كان الحاكم بالنظر بينهما أحق .
ومما يؤخذ ولاة الحسبة بمراعاته من أهل الصنائع في الأسواق ثلاثة أصناف : منهم من يراعى عمله في الوفور والتقصير ، ومنهم من يراعى حاله في الأمانة والخيانة ، ومنهم من يراعى عمله في الجودة والرداءة .