كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 256 """"""
فأما من يراعى عمله في الوفور والتقصير فكالطب والتعليم ، لأن الطب إقدام على النفوس يفضي التقصير فيه إلى تلف أو سقم .
وللمعلمين من الطرائق التي ينشأ الصغار عليها ما يكون نقلهم عنه بعد الكبر عسيراً ، فيقر منهم من توفر علمه وحسنت طريقته ، ويمنع من قصر وأساء من التصدي لما تفسد به النفوس وتخبث به الآداب .
وأما من يراعى حاله في الأمانة والخيانة ، فمثل الصاغة والحاكة والقصارين والصباغين ، لأنهم ربما هربوا بأموال الناس ، فيراعى أهل الثقة والأمانة منهم فيقرهم ويبعد من ظهرت خيانته ، ويشهر أمره ، لئلا يغتر به من لا يعرفه .
وقد قيل : إن الحماة وولاة المعاون أخص بالنظر في أحوال هؤلاء من ولاة الحسبة ؛ وهو الأشبه ، لأن الخيانة تابعة للسرقة .
وأما من يراعى عمله في الجودة والرداءة فهو مما ينفرد بالنظر فيه ولاة الحسبة .
ولهم أن ينكروا عليهم في العموم فساد العمل ورداءته وإن لم يكن فيه مستعدٍ ؛ وأما في عمل مخصوص اعتمد الصانع فيه الفساد والتدليس ، فإذا استعداه الخصم ، قابل عليه بالإنكار والزجر ، وإن تعلق بذلك غرم روعي حال الغرم ، فإن افتقر إلى تقدير أو تقويم ، لم يكن للمحتسب أن ينظر فيه ، لافتقاره إلى اجتهاد حكمي ؛ وكان القاضي بالنظر فيه أحق .
وإن لم يفتقر إلى تقدير ولا تقويم واستحق فيه المثل الذي لا اجتهاد فيه ولا تنازع ، فللمحتسب أن ينظر فيه بإلزام الغرم والتأديب .
ولا يجوز أن يسعر على الناس الأقوات ولا غيرها في رخصٍ ولا غلاء ؛ وأجازه مالك - رحمه الله - في الأقوات مع الغلاء .
وأما النهي في الحقوق المشتركة بين حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين ، فكالمنع من الإشراف على منازل الناس .
ولا يلزم من على بناءه أن يستر سطحه ، وإنما يلزمه ألا يشرف على غيره .
ويمنع أهل الذمة من تعلية أبنيتهم على أبنية المسلمين .
فإن ملكوا أبنية عالية أقروا عليها ومنعوا من الإشراف منها على المسلمين وأهل الذمة . ويأخذ أهل الذمة بما شرط في ذمتهم من لبس الغيار والمخالفة في الهيئة وترك المجاهرة بقولهم في عزير والمسيح .
ويمنع عنهم من تعرض لهم من المسلمين بسبٍ أو أذى ، ويؤدب عليه من خالف فيه .

الصفحة 256