كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 26 """"""
وتبجحك باستفاضة العدل فيهم ، معتمداً فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجماحك لهم والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم ورفقك بهم .
فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد ، احتملوه طيبةً أنفسهم به ، فإن العمران يحتمل ما حملته ، وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها ، وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر .
واستعمل من يحب أن يدخر حسن الثناء من الرعية والمثوبة من الله عز وجل والرضا من الإمام .
ثم انظر في حال الكتاب فولّ أمورك خيرهم .
واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكايدك وأسرارك بأجمعهم لوجود صالح الأخلاق ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلافٍ لك بحضرة ملأ ، ولا تقصر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمالك عليك وإصدار جوابها على الصواب منها عنك ، وفيما يأخذ لك ويعطى منك ، ولا يضعف عقداً اعتقده لك ، ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك ، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور ، فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل .
ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك وحسن الظن منك ، فإن الرجال يتعرفون لفراسات الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم ؛ وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شيء ؛ ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك ، فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثراً ، وأعرفهم بالأمانة وجهاً ، فإن ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن وليت أمره .
واجعل لرأس كل أمر من أمورك رأساً منه لا يقهره كبيرها ولا يتشتت عليه كثيرها .
ومهما كان في كتابك من عيبٍ فتغابيت عنه ألزمته .
ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات ، وأوص بهم خيراً المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفق ببدنه ، فإنهم موادّ المنافع وأسباب المرافق وجلاّبها من المباعد والمطارح في برّك وبحرك وسهلك وجبلك وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترئون عليها ، فإنهم سلمٌ لا تخاف بائقته ، وصلحٌ لا تخشى غائلته .
وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك .
واعلم أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً واحتكاراً للمنافع في المبايعات ، وذلك باب مضرة للعامة ، وعيبٍ على الولاة ، فامنع من الاحتكار ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منع منه .
وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين

الصفحة 26