كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 27 """"""
عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين البائع والمبتاع ، فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكّل به وعاقبه من غير إسراف .
ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين المحتاجين وأهل البؤسى والزمنى ، فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً ، فاحفظ الله ما استحفظك فيهم ، واجعل لهم قسماً من بيت مالك ، وقسماً من غلاّت صوافى الإسلام في كل بلد ، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى .
وكلٌ قد استرعيت حقه فلا يشغلنّك عنهم بطر فإنك لا تعذر بتضييعك التافه لأحكامك الكثير المهم ، فلا تشخص همّك عنهم ولا تصعر خدّك لهم ؛ وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال ، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع ، فليرفع إليك أمورهم ؛ ثم اعمل فيهم بالاعذار إلى الله سبحانه وتعالى في تأدية حقه إليه .
وتعهد أهل اليتم وذوي الرّقة في السنّ ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه .
وذلك على الولاة ثقيل ؛ والحق كله ثقيل وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم .
واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرغ لهم في شخصك وتجلس لهم فيه مجلساً عاماً فتتواضع فيه لله الذي خلقك وتبعد عنهم جندك وأعوانك من حراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع فإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول في غير موطن : " لن تقدّس أمةٌ لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع .
ثم احتمل الخرق منهم والعيّ ، ونحّ عنك الضيق والأنف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته ويوجب لك ثواب طاعته ، وأعط ما أعطيت هنيئاً ، وامنع في إجمال وإعذار . ثم أمورٌ من أمورك لابدّ لك من مباشرتها : منها إجابة عمالك بما لا يغني عنه كتابك ، ومنها إصدار حاجات الناس عند ورودها عليك مما تحرج به صدور أعوانك .
وأمض لكل يوم عمله فإن لكل يوم ما فيه .
واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل

الصفحة 27