كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 28 """"""
تلك المواقيت وأجزل تلك الأقسام ، وإن كانت كلها لله إذا صلحت فيها النية وسلمت منها الرعية .
وليكن في خاصة ما تخلص لله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصة ، فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ، ووفّ ما تقربت به إلى الله تعالى من ذلك كاملاً غير مثلوم ولا منقوص بالغاً من بدنك ما بلغ .
وإذا قمت في صلاتك للناس فلا تكوننّ منفراً ولا مضيعاً ، فإن في الناس من به العلة وله الحاجة ؛ وقد سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين وجهني إلى اليمن كيف أصلي بهم ؟ فقال : " كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيماً " .
وأما بعد هذا فلا يطولنّ احتجابك عن رعيتك ، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالأمور .
والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه ، فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل .
وإنما الوالي بشر لا يعرف ما يوارى عنه الناس من الأمور ؛ وليست على الحق سماتٌ تعرف بها ضروب الصدق من الكذب .
وإنما أنت أحد رجلين : إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ، ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه أو فعل كريم تسديه ؟ وإما امرؤ مبتلىً بالمنع ، فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا يئسوا من ذلك مع أن أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤنة فيه عليك من شكاة مظلمةٍ أو طلب إنصافٍ في معاملة .
ثم إن للوالي خاصةً وبطانة فيهم استئثارٌ وتطاول وقلة إنصاف في معاملة ، فاحسم مادة ذلك بقطع أسباب تلك الأحوال . ولا تقطعنّ لأحد من حاشيتك وخاصتك قطيعة ، ولا يطمعنّ منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤنته على غيرهم ، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك ، وعيبه عليك في الدنيا والآخرة .
وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد ، وكن في ذلك صابراً محتسباً واقعاً ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع ؛ وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه ، فإن مغبة ذلك محمودة .
وإن ظنت الرعية بك حيفاً

الصفحة 28