كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 29 """"""
فأصحر لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم بإصحارك ، فإن في ذلك إعذاراً تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق .
ولا تدفعنّ صلحاً دعاك إليه عدوك ولله فيه رضاً ، فإن في الصلح دعةً لجنودك وراحةً من همومك وأمناً لبلادك .
ولكن احذر كل الحذر من عدوّك بعد صلحه ، فإن العدو ربما قارب ليتغفل ، فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن .
فإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة وألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالأمانة واجعل نفسك جنّة دون ما أعطيت ، فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشدّ عليه اجتماعاً مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود ؛ وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر .
فلا تغدرنّ بذمتك ولا تخيسنّ بعهدك ولا تختلنّ عدوك ، فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهلٍ شقي .
وقد جعل الله عهده وذمته أمناً قضاه بين العباد برحمته ، وحرماً يسكنون إلى منعته ويستفيضون إلى جواره ، فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فيه .
ولا تعقد عقداً تجوز فيه العلل .
ولا تعولنّ على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة .
ولا يدعونّك ضيق أمرٍ لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق ، فإن صبرك على ضيقٍ ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته وأن تحيط بك من الله طلبة فلا تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك .
إياك والدماء وسفكها بغير حلّها ، فإنه ليس شيءٍ أدعى لنقمةٍ ولا أعظم تبعةٍ ولا أحرى بزوال نعمةٍ وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقّها ، والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة ؛ فلا تقوينّ سلطانك بسفك دمٍ حرام ، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله .
فلا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد ، لأن فيه قود البدن .
فإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بعقوبة ؛ فإن في الوكزة فما فوقها مقتلة ، فلا تطمحنّ بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم .

الصفحة 29