كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 30 """"""
وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء ، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين .
وإياك والمنّ على رعيتك بإحسانك ، والتزيد فيما كان من فعلك ، وأن تعدهم فتتبع موعدك بخلف ، فإن المنّ يبطل الإحسان ، والتزيد يذهب بنور الحق ، والخلف يوجب المقت عند الله والناس .
قال الله تعالى : " كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " .
وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها ، أو التسقط فيها عند إمكانها ، أو اللجاجة فيها إذا تنكرت ، أو الوهن عنها إذا استوضحت ؛ فضع كل أمر موضعه وأوقع كل عمل موقعه .
وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة ، والتغابي عما يعنى به مما قد وضح لعيون الناظرين ، فإنه مأخوذ منك لغيرك ، وعما قليلٍ تنكشف عنك أغطية الأمور وينتصف منك المظلوم .
املك حميّة أنفك وسورة حدّك وسطوة يدك وغرب لسانك ، واحترس من كل ذلك بكف البادرة وتأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار ، ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك .
والواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة ، أو سنة فاضلة ، أو أثرٍ عن نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) ، أو فريضة في كتاب الله ، فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها ، وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا ، واستوثقت به من الحجة لنفسي عليك لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها .
وأنا أسأل الله بسعة رحمته وعظيم قدرته على إعطاء كل ذي رغبة : أن يوفقني وإياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه ، مع حسن الثناء في العباد وجميل الأثر في البلاد وتمام النعمة وتضعيف الكرامة ، وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة .
إنّا لله وإنّا إليه راجعون .
تم العهد بعون الله تعالى .

الصفحة 30