كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 34 """"""
وقيل : سأل الإسكندر حكماء بابل ، فقال : أيما أبلغ عندكم ، الشجاعة أم العدل ؟ فقالوا إذا استعملنا العدل استغنينا عن الشجاعة .
ولما جيء بالهرمزان ملك خوزستان أسيراً إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، لم يزل الموكّل به يقتفي أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى وجده بالمسجد نائماً متوسداً درته ، فلما رآه الهرمزان قال : هذا هو الملك ؟ قيل نعم ، فقال له : عدلت فأمنت فنمت ، والله إني قد خدمت أربعة من ملوك الأكاسرة أصحاب التيجان فما هبت أحداً منهم هيبتي لصاحب هذه الدرة .
وقالوا : إذا عدل الإمام خصب الزمان .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إن الأرض لتزين في أعين الناس إذا كان عليها إمامٌ عادل ، وتقبح إذا كان عليها إمام جائر .
وحكي أن كسرى أبرويز نزل متنكراً بامرأة ، فحلبت له بقرة فرآها حلبت لبناً كثيراً ، فقال لها : كم يلزمك في السنة على هذه البقرة للسلطان ؟ فقالت : درهم واحد ؛ فقال : أين ترتع وبكم منها ينتفع ؟ فقالت : ترتع في أراضي السلطان ، ولي منها قوتي وقوت عيالي ؛ فقال في نفسه : إن الواجب أن أجعل إتاوة على البقور فلأصحابها نفعٌ عظيم ؛ فما لبث أن قالت المرأة : أوّه ، إن سلطاننا همّ يجور ، فقال أبرويز : لمه ؟ فقالت : لأن درّ البقرة انقطع ، وإن جور السلطان مقتضٍ لجدب الزمان ؛ فأقلع عما كان همّ به . وكان يقول بعد ذلك : إذا همّ الإمام بجور ارتفعت البركة .
وقال سقراط : ينبوع فرح العالم الملك العادل ، وينبوع حزنهم الملك الجائر .
وقال الفضل : لو كان عندي دعوةٌ مستجابة لم أجعلها إلا في الإمام . فإنه إذا صلح أخصبت البلاد وأمنت العباد ؛ فقبّل ابن المبارك رأسه وقال : لا يحسبنّ هذا غيرك .
وقال قدامة : حسبكم دلالةً على فضيلة العدل أن الجور الذي هو ضدّه لا يقوم إلا به ؛ وذلك أن اللصوص إذا أخذوا الأموال واقتسموها بينهم احتاجوا إلى استعمال العدل في اقتسامهم وإلا أضر ذلك بهم .

الصفحة 34