كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 35 """"""
صفة الإمام العادل .
كتب عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة إلى الحسن ابن أبي الحسن البصري أن يكتب له صفة الإمام العادل ؛ فكتب إليه الحسن : اعلم يا أمير المؤمنين ، أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل ، وقصد كل جائر ، وصلاح كل فاسد ، وقوة كل ضعيف ، ونصفة كل مظلوم ، ومفزع كل ملهوف .
والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله والحازم الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المراعي ، ويذودها عن مراتع الهلكة ، ويحميها من السباع ، ويكنفها من أذى الحر والقر .
والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده ، يسعى لهم صغاراً ، ويعلمهم كباراً ، يكسب لهم في حياته ، ويدخر لهم بعد وفاته .
والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرّة الرفيقة بولدها ، حملته كرها ، ووضعته كرها ، وربته طفلا ، تسهر لسهره وتسكن لسكونه ، وترضعه تارة وتفطمه أخرى ، وتفرح بعافيته ، وتغتم بشكايته . والإمام العادل يا أمير المؤمنين وصي اليتامى ، وخازن المساكين ، يربي صغيرهم ويمون كبيرهم .
والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح ، تصلح الجوارح بصلاحه ، وتفسد بفساده .
والإمام العادل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وعباده ، يسمع كلام الله ويسمعهم ، وينظر إلى الله ويريهم ، وينقاد لله ويقودهم .
فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله ، فبددّ المال وشرّد العيال فأفقر أهله وأهلك ماله .
واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش ، فكيف إذا أتاها من يليها وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده ، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده ، وقلّة أشياعك عنده وأنصارك عليه ، فتزود له وما بعده من الفزع الأكبر .

الصفحة 35