كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 36 """"""
واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلاً غير منزلك الذي أنت به ، يطول فيه ثواؤك ، ويفارقك أحباؤك ، ويسلمونك في قعره فريداً وحيداً ؛ فتزود له ما يصحبك يوم يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه .
واذكر يا أمير المؤمنين إذا بعثر ما في القبور ، وحصّل ما في الصدور ؛ فالأسرار ظاهرة ، والكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ؛ فالآن يا أمير المؤمنين وأنت في مهل ، قبل حلول الأجل ، وانقطاع الأمل ؛ لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين ، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين ، ولا تسلّط المستكبرين على المستضعفين ، فإنهم لا يرقبون في مؤمنٍ غلاًّ ولا ذمةً ، فتبوء بأوزارك وأوزارٍ مع أوزارك ، وتحمل أثقالك وأثقالاً مع أثقالك .
ولا يغرنّك الذين ينعمون بما فيه بؤسك ، ويأكلون الطيبات من دنياهم بإذهاب طيباتك في آخرتك .
ولا تنظرنّ إلى قدرك اليوم ، ولكن انظر إلى قدرك غداً وأنت مأسور في حبائل الموت ، وموقوف بين يدي الله تعالى في مجمع الملائكة والمرسلين ، وقد عنت الوجوه للحيّ القيوم .
إني يا أمير المؤمنين إن لم أبلغ في عظتي ما بلغه أولو النهي قبلي ، فلم آلك شفقةً ونصحا ؛ فأنزل كتابي هذا إليك كمداوي حبيبه يسقيه الأدوية الكريمة لما يرجو له بذلك من العافية والصحة .
والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته .
وحيثما ذكرنا العدل وصفة الإمام العادل فلنذكر الظلم وسوء عاقبته .
ذكر ما قيل في الظلم وسوء عاقبته
قال الله تعالى : " ألا لعنة الله على الظالمين " ، وقال تعالى : " وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطباً " ، وقال تعالى : " ولا تحسبنّ الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار مهطعين " ؛ قيل : هذا تعزية للمظلوم ووعيد للظالم .
قال تعالى : " إنّا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً " . وقال تعالى : " وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون " . وقال تعالى : " وما للظالمين من أنصارٍ " . وقال تعالى : " فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله ربّ العالمين " .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة

الصفحة 36