كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 38 """"""
على من ظلمه فيجاب عاجلاً ولا يرى ذلك في الإسلام ؛ فقال : هذا حاجز بينهم وبين الظلم ، وإن موعدكم الآن الساعة ، والساعة أدهى وأمر .
وقيل : تندمل من المظلوم جراحه ، إذا انكسر من الظالم جناحه .
وقالوا : الجور آفة الزمان ، ومحدث الحدثان ؛ وجالب الإحن ، ومسبّب المحن ؛ ومحيل الأحوال ، وممحق الأموال ؛ ومخلى الديار ، ومحيي البوار . وهو مأخوذ من قولهم : جار عن الطريق إذا نكب عنها ، فكأنه عدل عن طريق العدل وحاد عن سبيله .
وفي الإسرائليات أن الله عز وجل أوحى إلى موسى عليه السلام : " يا موسى ، قل لبني إسرائيل : تجنبوا الظلم ؛ وعزتي وجلالي إن له عندي مغبّة ؛ قال : يا رب وما مغبته ؟ قال : يتم الولد ، وتقليل العدد ، وانقطاع الأمد ، والثّواء في النار .
وقد أوردنا في ذلك ما يكتفي به من أن يعلم الله تعالى مسائله ومحاسبه ، ومناقشه غداً ومطالبه ؛ وجامع الناس ليوم لا ريب فيه ، وموقف المظلوم لطلب حقه ممن ظلمه بملء فيه ؛ وربما يعجّل له العقوبة في دنياه ، ويضاعف عليه العذاب في أخراه ، ويريه عاقبة بغيه في يوم ينظر المرء ما قدمت يداه .
نسأل الله تعالى أن يحمينا أن نظلم أو نظلم ، وأن يجعلنا ممن فوّض أمره إليه وسلّم ، ولا يمتحننا بمكروهٍ ، فهو بضعفنا عن حمله أدرى ، وبعجزنا أعلم ، بمنّه وكرمه .
ذكر ما قيل في حسن السيرة والرفق بالرعية
. قال الله تعالى : " ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك " .
وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : " من أعطي حظه من الرفق فقد أعطى حظّه من الخير كلّه ، ومن حرم من الرّفق فقد حرم حظّه من الخير كله " .
ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة أرسل إلى سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب فقال لهما : أشيرا عليّ ؛ فقال له سالم : اجعل الناس أباً وأخاً

الصفحة 38