كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 4 """"""
رفعت إليه فيقيمها أو يدرأها وغير ذلك . والثالثة أن يكون عدلاً في دينه وتعاطيه ومعاملاته .
فأما اشتراط النسب ؛ فلما روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : " الأئمة من قريش . . . " وأنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " قدموا قريشاً ولا تقدموها ولولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله تعالى " .
وأما اشتراط العلم بأحكام الصلاة والزكاة والجهاد والقضاء والحدود والأموال التي يتولاها الأئمة ، فإنه لا يمكنه أن يقوم بحقها والواجب فيها إلا بعد العلم ، لتكون معالم الدنيا قائمة ، وأحكام الله تعالى بين عباده جارية . فإذا لم يكن عنده من العلم ما يتوصل به إلى ما يحتاج الإمام إليه فوجوده وعدمه بمنزلة واحدة . وينبغي أن يكون شجاعاً شهماً ، لأن رأس أمور الناس الجهاد ؛ فإذا كان من يتولى أمورهم جباناً فشلاً منعه ذلك من مجاهدة المشركين وحمله على أن يترك كثيراً من حقوق المسلمين فكان ضررهم به أكثر من نفعهم . وأما اشتراط العدالة ، فلأن الإمام إذا كان يتولى حقوق الله تعالى وحقوق المسلمين فمنصبه منصب الأمانة ائتمانٌ له على الحقوق ؛ ولا يجوز أن يؤتمن على حقوق الله تعالى من ظهرت خيانته لله ولعباده ، ولأن الفاسق ناقص الإيمان فلا يجوز أن يشرف بالتولية على المسلمين الذين فيهم من هو كامل الإيمان وأقرب إلى كماله منه ، كما لا يجوز أن يولّى شيئاً من أمور المسلمين كافر ، ولأن الفاسق لا يرضى للشهادة فكان بألاّ يرضى للحكم وهو أرفع منزلةً من الشهادة أولى ، وإذا لم يرض للحكم كان بألاّ يرضى للإمامة التي هي أجمع من الحكم أولى ، والله أعلم ، ولأنه إذا لم يكن يصلح نفسه فهو في حق غيره أكثر تضييعاً ولإصلاحه أشد عجزاً ، ومن كان بهذه المنزلة فهو أبعد الناس من موقف الأئمة .
فصل
وإذا اجتمعت هذه الشرائط التي ذكرناها في رجل ، فإن كان الإمام الذي تقدمه ولاّه في حياته ما يتولاّه إما استخلافاً عند عجزه عن القيام ما عليه فيه ، وإما انخلاعاً إليه فلا اعتراض في ذلك عليه ، وإن كان أوصى له بالولاية بعد موته فالأظهر جواز ذلك . قال : فإن لم يكن لمن جمع شرائط الإمامة عهدٌ من إمام قبله واحتيج إلى نصب إمام للمسلمين فاجتمع أربعون عدلاً من المسلمين أحدهم عالم يصلح

الصفحة 4