كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 41 """"""
النّطف المسيء ، والثواب إلى المحسن البريء ؛ فخاف المريب صولة العقاب ، وتمسك المحسن بحظّه من الثواب .
وقال الوليد بن عبد الملك لأبيه : يا أبت ، ما السياسة ؟ فقال : هيبة الخاصة مع صدق مودتها ، واقتياد قلوب العامة مع الإنصاف لها ، واحتمال هفوات الصنائع .
وقيل : بلغ بعض الملوك سياسة ملكٍ آخر فكتب إليه : قد بلغت من حسن السياسة مبلغاً لم يبلغه ملك في زمانك ، فأفدني الذي بلغت به ذلك ؛ فكتب إليه : لم أهزل في أمرٍ ولا نهيٍ ولا وعدٍ ، واستكفيت أهل الكفاية وأثبت على العناء لا على الهوى ، وأودعت القلوب هيبةً لم يشبها مقت ، وودّاً لم يشبه كذب ، وعممت القوت ، ومنعت الفضول .
وقيل إن أنوشروان كان يوّقع في عهود الولاة : سس خيار الناس بالمحبة ، وامزج للعامة الرغبة بالرهبة . ولما قدم سعد العشيرة في مائة من أولاده على ملك حمير سأله عن صلاح الملك ؛ فقال : معدلةٌ شائعة ، وهيبةٌ وازعة ، ورعيةٌ طائعة ؛ ففي المعدلة حياة الإمام ، وفي الهيبة نفيٌ للظلام وفي طاعة الرعية حسن التئام .
وقال أبو معاذ للمتوكل : إذا كنتم للناس أهل سياسة فسوسوا كرام الناس بالرفق والبذل ، وسوسوا لئام الناس بالذل يصلحوا على الذل ، إن الذل يصلح الناس .
وقال أنوشروان : الناس ثلاثة طبقات ، تسوسهم ثلاث سياسات ، طبقة هم خاصة الأشراف ، تسوسهم باللين والعطف ، وطبقة هم خاصة الأشرار ، تسوسهم بالغلظة والعنف ، وطبقة هم العامة ، تسوسهم بالشدة واللين .
وقال معاوية بن أبي سفيان : إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني ، ولو أن بيني وبين العوام شعرةً ما انقطعت ؛ قيل له : وكيف ذلك ؟ قال : كنت إذا جذبوها أرخيتها وإذا أرخوها جذبتها .
وقال المأمون : أسوس الملوك من ساس نفسه لرعيته ، فأسقط مواقع حجتها عنه وقطع مواقع حجته عنها .
وأما ما قيل في الحزم والعزم وانتهاز الفرصة ؛ قالت الحكماء : أحزم الملوك من هزم جده هزله ، وغلب رأيه هواه ، وأعرب عن ضميره فعله ، ولم يختدعه رضاه عن

الصفحة 41