كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 42 """"""
سخطه ، ولا غضبه عن كيده .
وقيل لبعضهم : ما الحزم ؟ فقال : التفكر في العواقب .
وقال عبد الملك بن مروان لابنه الوليد : يا بني ، اعلم أنه ليس بين السلطان وبين أن يملك الرعية أو تملكه الرعية إلا حزمٌ أو توان .
وقالوا : ينبغي للعاقل ألا يستصغر شيئاً من الخطأ والزلل ، فإن من استصغر الصغير يوشك أن يقع في الكبير ، فقد رأينا الملك يؤتى من العدو المحتقر ، ورأينا الصحة تؤتى من الدواء اليسير ، ورأينا الأنهار تنبثق من الجداول الصغار .
وقال مسلمة بن عبد الملك : ما أخذت أمراً قط بحزمٍ فلمت نفسي فيه وإن كانت العاقبة عليّ ، ولا أخذ أمراً قط وضيعت الحزم فيه فحمدت نفسي وإن كانت العاقبة لي .
وقال عبد الملك لعمر بن عبد العزيز : ما العزيمة في الأمر ؟ فقال : إصداره إذا أورد بالحزم ؛ قال : وهل بينهما فرق ؟ قال : نعم ، أم سمعت قول الشاعر :
ليست تكون عزيمةٌ ما لم يكن . . . معها من الحزم المشيّد رافد
وقيل لملك سلب ملكه : ما الذي سلب ملكك ؟ فقال : دفع شغل اليوم إلى الغد والتماس عدّة بتضييع عدد ، واستكفاء كل مخدوعٍ عن عقله .
والمخدوع عن عقله : من بلغ قدراً لا يستحقه أو أثيب ثواباً لا يستوجبه .
وفي كتب للهند : الحازم يحذر عدوّه على كل حال ، يحذر المواثبة إن قرب ، والمغارة إن بعد ، والكمين إن انكشف ، والاستطراد إن ولّى . وقال صاحب كتاب كليلة ودمنة : إذا عرف الملك أن رجلاً يساوى به في المنزلة والهمّة والمال واتّبع فليصرعه ، فإن لم يفعل فهو المصروع .
وقيل : من لم يقدّمه حزمه أخّره عجزه .
وقيل : من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ .
قال البحتري :
فتىً لم يضيّع وجه حزمٍ ولم يبت . . . يلاحظ أعجاز الأمور تعقّبا

الصفحة 42