كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 43 """"""
ومثله قول آخر :
وخير الأمر ما استقبلت منه . . . وليس بأن تتّبعه اتّباعا
وقيل : من لم ينظر في العواقب فقد تعرض لحادثات النوائب .
قال الشاعر : ومن ترك العواقب مهملاتٍ . . . فأيسر سعيه أبداً تبار
وقال صاحب كتاب كليلة ودمنة : رأس الحزم للملك معرفته بأصحابه وإنزالهم منازلهم واتهام بعضهم على بعض ، فإنه إن وجد بعضهم إلى هلاك بعضٍ سبيلاً أو إلى تهجين بلاء المبلين وإحسان المحسنين والتغطية على إساءة المسيئين ، سارعوا إلى ذلك ، واستحالوا محاسن أمور المملكة ، وهجّنوا محاسن رأيه ؛ ولم يبرح منهم حاسد قد أفسد ناصحا ، وكاذب قد اتهم أمينا ، ومحتالٌ قد أغضب بريئا .
وليس ينبغي للملك أن يفسد أهل الثقة في نفسه بغير أمرٍ يعرفه ، بل ينبغي في فضل حلمه وبسطة علمه الحيطة على رأيه فيهم ، والمحاماة على حرمتهم وذمامهم ، وألا يرتاح إلى إفسادهم ، فلم يزل جهّال الناس يحسدون علماءهم ، وجبناؤهم شجعانهم ، ولئامهم كرماءهم ، وفجّارهم أبرارهم ، وشرارهم خيارهم .
وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : انتهزوا هذه الفرص فإنها تمرّ مرّ السحاب ، ولا تطلبوا أثرا بعد عين .
وكتب يزيد بن الوليد إلى مروان بن محمد ، وقد بلغه عنه تلكؤ في بيعته : أما بعد فإني أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى ، فإذا أتاك كتابي فاعتمد أيهما شئت والسلام .

الصفحة 43