كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 45 """"""
وإذا الحلم لم يكن في طباع . . . لم يحلّم تقادم الميلاد
ويدل على ذلك أنه غريزة في الإنسان .
وقد روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال لأشجع عبد القيس : " يا أبا المنذر إن فيك خصلتين يرضاهما الله ورسوله الحلم والأناة " فقال : يا رسول الله ، أ شيء جبلني الله عليه أم شيء اخترعته من قبل نفسي ؟ قال : " بل شيء جبلك الله عليه " ، قال : الحمد لله الذي جبلني على خلق يرضاه الله ورسوله .
ومن الناس من يقول : إن الحلم ليس غريزة ولا طبيعة بل مكتسب مستفاد ، تتمرن النفس الأبية عليه ، وتنقاد حباً في المحمدة إليه .
وقالوا : الحلم بالتحلم كما أن العلم بالتعلم ؛ ويدل على ذلك ما حكي عن جعفر الصادق أنه كان عنده عبد سيء الخلق ، فقيل له : أما تأنف من مثل هذا عندك وأنت قادر على الاستبدال به ؟ فقال : إنما أتركه لأتعلم عليه الحلم .
ويحكى عنه أنه كان إذا أذنب إليه عبد أعتقه ؛ فقيل له في ذلك ؛ فقال : أريد بفعلي هذا تعلم الحلم .
قال الشاعر :
وليس يتم الحلم للمرء راضياً . . . إذا هو عند السخط لم يتحلم
كما لا يتم الجود للمرء موسراً . . . إذا هو عند القتر لم يتحشم
وروي عن سري السقطي أنه قال : الحلم على خمسة أوجه : حلم غريزي ، وهو هبة من الله للعبد ، يعفو عمن ظلمه ، ويصل من قطعه ، ويعطي من حرمه ، ويحسن لمن أساء إليه ؛ وحلم تحالم ، يكظم غيظه رجاء الثواب وفي القلب كراهية ؛ وحلم كبر ، لا يرى المسيء أهلاً أن يجاريه ، وحلم مذموم ، رياء وسمعة وهو حاقد ساكت يرائي به جلساءه ، وحلم مهانة وذلة وعجز وضعف نفس وصغر همة .

الصفحة 45