كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 46 """"""
وقال أبو الهلال العسكري : أجمع كلمةٍ سمعناها في الحلم ما سمعت عم أبي يقول : الحلم ذليل عزيز ؛ وذلك أن صورة الحليم صورة الذليل الذي لا انتصار له ، واحتمال السفيه والتغافل عنه في ظاهر الحال ذل وإن لم يكن به .
وقيل : " الحليم مطية الجهول " ؛ لاحتماله جهله وتركه الانتصاف منه . وقال الأول البيتين وقد تقدما .
ولهذا قال شيخ من الأعراب وقد قيل له : ما الحلم ؟ فقال : الذي تصبر عليه .
وقال : الحلم عقال الشر ، وذلك أن من سمع مكروهة فسكت عنها انقطعت عنه أسبابها ، وإن أجاب اتصلت بأمثالها .
وقالوا : الحلم والأناة توءمان ينتجهما علو الهمة .
ومن كلام النبوة : " كاد الحليم أن يكون نبياً " .
ورأى حكيمٌ رقة من ملك فقال : أيها الملك ليس التاج الذي يفتخر به عظماء الملوك فضةً ولا ذهباً ، ولكنه الوقار المكلل بجواهر الحلم ، وأحق الملوك بالبسطة ، من حلم عند ظهور السقطة .
وقال معاوية لابنه يزيد : عليك بالحلم والاحتمال حتى تمكنك الفرصة ، فإذا أمكنتك فعليك بالصفح ، فإنه يدفع عنك معضلات الأمور ، ويقيك مصارع المحذور .
وقال أيضاً : أفضل ما أعطي الرجل الحلم .
وقال : ما وجدت لذة هي عندي ألذ من غيظ أتجرعه وسفهٍ بحلم أقمعه .
وقالوا : الحلم مطية وطيئة تبلغ راكبها قاصية المجد ، وتملكه ناصية الحمد .

الصفحة 46