كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 47 """"""
وقال أبو هلال : ومن أشرف نعوت الإنسان أن يدعى حليماً ، لأنه لا يدعاه حتى يكون عاقلاً وعالماً ومصطبراً محتسباً وعفواً وصافحاً ومحتملاً وكاظماً . وهذه شرائف الأخلاق وكرائم السجايا والخصال .
ذكر اخبار من اشتهر بالحلم واتصف به
كان ممن اشتهر بالحلم الأحنف بن قيس . قيل له : ممن تعلمت الحلم ؟ قال : من قيس بن عاصم المنقري ، رأيته قاعداً بفناء داره محتبياً بحمائل سيفه يحدث قومه ، حتى أتي بمكتوف ورجلٍ مقتول ، فقيل له : هذا ابن أخيك قتل ابنك ؛ قال : فوالله ما حلّ حبوته ولا قطع كلامه ، ثم التفت إلى ابن أخيه فقال : يا بن أخي أثمت بربك ، ورميت نفسك بسهمك ، وقتلت ابن عمك ؛ ثم قال لابن له آخر : قم يا بني فواري أخاك وحل كتاف ابن عمك وسق إلى أمك مائة ناقة ديّة ابنها فإنها غريبة .
وقد ساق أبو هلال هذه القصة بسند وزاد فيها زيادة حسنة نذكرها ، فقال : إن قيس بن عاصم لما فرغ من حديثه التفت إلى بعض بنيه ، فقال : قم إلى ابن عمك فأطلقه ، وإلى أخيك فادفنه .
فبدأ بإطلاق القاتل قبل دفن المقتول .
وقال في خبره : ثم اتكأ على شقه الأيسر وقال :
إني امرؤ لا يعتري خلقي . . . دنس يفنده ولا أفن
من منقرٍ في بيت مكرمةٍ . . . والفرع ينبت فوقه الغصن
خطباء حين يقول قائلهم . . . بيض الوجوه مصاقعٌ لسن
لا يفطنون لعيب جارهم . . . وهمو لحفظ جواره فطن
وقيل : قتل للأحنف بن قيس ولد وكان الذي قتله أخ للأحنف ، فجيء به مكتوفاً ليقيده ؛ فلما رآه الأحنف بكى ، وأنشد :
أقول للنفس تأساءً وتعزيةً . . . إحدى يدي أصابتني ولم ترد
كلاهما خلفٌ من فقد صاحبه . . . هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي

الصفحة 47