كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 49 """"""
فامتلأ قلبي بغضاً له وحسدت علياً أن يكون له ولدٌ مثله ، فصرت إليه فقلت : أنت ابن أبي طالب ؟ قال : أنا ابن ابنه ، قلت : قلت فيك وفي أبيك أشتمهما ، فلما انقضى كلامي ، قال : أحسبك غريباً ؛ فقلت : أجل ؛ قال : فإن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مالٍ آسيناك أو إلى حاجةٍ عاوناك ؛ فانصرفت وما على الأرض أحب إلي منه .
حدّث زياد عن مالك بن أنس قال : بعث إليّ أبو جعفر المنصور وإلى ابن طاوس ؛ فأتينا فدخلنا عليه ، فإذا هو جالس على فرش قد نضدت ، وبين يديه أنطاعٌ قد بسطت ، وجلاوزة بأيديهم السيوف يضربون بها الأعناق ، فأومأ إلينا أن اجلسا فجلسنا ، ثم أطرق عنا طويلاً ، ثم رفع رأسه والتفت إلى ابن طاوس فقال : حدثني عن أبيك ؛ قال : نعم ، سمعت أبي يقول : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " أن أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة رجلٌ أشركه الله في حكمه فأدخل عليه الجور في عدله " ؛ فأمسك ساعة ؛ قال مالك : فضممت ثيابي من ثيابه مخافة أن يملأني من دمه ؛ ثم التفت إليه أبو جعفر فقال : عظني يا بن طاوس ؛ قال : نعم يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول : " ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصبّ عليهم ربك سوط عذابٍ إنّ ربك لبالمرصاد " ؛ قال مالك : فضممت ثيابي من ثيابه مخافة أن يملأني دمه ؛ فأمسك ساعة حتى اسوّد ما بيننا وبينه ، ثم قال : يا بن طاوس ناولني هذه الدواة ؛ فأمسك ؛ فقال : ما يمنعك أن تناولنيها ؟ قال : أخشى أن تكتب بها معصيةٍ لله فأكون شريكك فيها ؛ فلما سمع ذلك قال : قوما عني ؛ فقال ابن طاوس : ذلك ما كنا نبغي منذ اليوم .
قال مالك : فمازلت أعرف لابن طاوس فضله .
وقيل : دخل الحارث بن مسكين على المأمون فسأله عن مسألة ؛ فقال : أقول فيها كما قال مالك بن أنس لأبيك الرشيد ؛ وذكر قوله فلم يعجب المأمون ، فقال :

الصفحة 49