كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 50 """"""
لقد تتيست فيها وتتيس مالك ؛ فقال الحارث بن مسكين : فالسامع يا أمير المؤمنين من التيسين أتيس ؛ فتغير وجه المأمون ، وقام الحارث وندم على ما كان منه ؛ فلم يستقر في منزله حتى أتاه رسول المأمون ، فأيقن بالشر ولبس ثياب أكفانه ، ثم أقبل حتى دخل عليه ، فقربه المأمون من نفسه ، ثم أقبل عليه بوجهه وقال له : يا هذا ، إن الله تبارك وتعالى قد أمر من هو خيرٌ منك بالإنة القول لمن هو شرٌ مني ، قال لنبيه موسى ( صلى الله عليه وسلم ) إذ أرسله إلى فرعون : " فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى " ؛ فقال الحارث بن مسكين : يا أمير المؤمنين ، أبوء بالذنب وأستغفر الرب ؛ فقال : عفا الله عنك ، انصرف إذا شئت .
وقد مدح الشعراء ذوي الحلم ، فمن ذلك قول بعضهم :
لن يدرك المجد أقوامٌ وإن كرمواحتى يذلوا وإن عزّوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مسفرةً . . . لا ذل عجزٍ ولكن ذل أحلام
وقال آخر :
لقد أسمع القول الذي هو كلّما . . . تذكرنيه النفس قلبي يصدع
فأبدي لمن أبداه مني بشاشةً . . . كأني مسرورٌ بما منه أسمع
وما ذاك من عجزٍ به غير أنني . . . أرى أن ترك الشر للشر أدفع
وقال مهيار :
وإذا الإباء المر قال لك : انتقم . . . قالت خلائقك الكرام : بل احلم
شرعٌ من العفو انفردت بدينه . . . وفضيلةٌ لسواك لم تتقدّم
حتى لقد ودّ البريء لو أنه . . . أدلى إليك بفضل جاه المجرم
وقال آخر :
فدهره يصفح عن قدرةٍ . . . ويغفر الذنب على علمه
كأنه يأنف من أن يرى . . . ذنب امرئ أعظم من حلمه

الصفحة 50