كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 55 """"""
وقال قابوس وشمكير : العفو عن المذنب من واجبات الكرم .
وقالوا : العفو يزين حالات من قدر ، كما يزين الحلي قبيحات الصور .
وقال المنصور لولده المهدي : لذة العفو أطيب من لذة التشفي ، وقد تقدم ذكر الدليل . وقال الشاعر :
لذة العفو إن نظرت بعين العدل . . . أشفى من لذة الانتقام
هذه تكسب المحامد والأجر . . . وهذي تجيء بالآثام
قال عمر بن حبيب العدويّ : كنت في وفد أهل البصرة لما قدموا على المنصور يسألونه أن يوليّ عليهم قاضياً ، فبينا نحن عنده إذ جيء برجل مصفد بالحديد ، يده مغلولة في عنقه ، فوقف بين يديه فساءله طويلاً ، ثم بسط له نطع وأمر بضرب عنقه ، والرجل يحلف وهو يكذّبه ، ولم يتكلم أحدٌ من الجمع ، فقمت وكنت أحدثهم سنّاً فقلت : يا أمير المؤمنين ؛ أتاذن لي في الكلام ؟ فقال : قل ؛ قلت : يروى عن ابن عمك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : " من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل لم يرد على الحوض " وقد اعتذر إليك فاقبل منه عذره ؛ فقال : يا غلام اضرب عنقه ؛ قلت : إن أباك حدثني عن جدك عن ابن عباس أنه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من تحت العرش ليقم كل من كان له عند الله يدٌ فلا يقوم إلا من عفا عن أخيه المسلم " ، فقال : آالله أبي حدثك ؟ فقلت : آالله إن أباك حدثني عن جدك عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ؛ فقال أبو جعفر : صدق ، حدثني أبي عن جدي عن ابن عباس بهذا ؛ فقال : يا غلام خلّ له السبيل ، وأمر له بجائزة وولاني قضاء البصرة .
وقيل أتي المأمون برجل يريد أن يقتله وعلي بن موسى الرضا جالس ،

الصفحة 55