كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 58 """"""
يكون أقربهما منك وأسرعهما إليك أولاهما بإمامتك وأشبههما بخلافتك ، ثم أنشد :
أرى الموت بين السيف والنطع كامناً . . . يلاحظني من حيثما أتلفت
وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي . . . وأي امرئٍ مما قضى الله يفلت
ومن ذا الذي يدلي بعذرٍ وحجةٍ . . . وسيف المنايا بين عينيه مصلت
يعز على أبناء تغلب موقفٌ . . . يسلّ على السيف فيه وأسكت
وما جزعي من أن أموت وإنني . . . لأعلم أن الموت شيء مؤقت
ولكن خلفي صبيةً قد تركتهم . . . وأكبادهم من حسرةٍ تتفت
كأني أراهم حين أنعي إليهم . . . وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا
فإن عشت عاشوا خافضين بغبطةٍ . . . أذود الردى عنهم وإن مت موتوا
وكم قائلٍ : لا يبعد الله داره . . . وآخر جذلانٍ يسر ويشمت
قال : فتبسم المعتصم وقال : كاد والله يا تميم أن يسبق السيف العذل اذهب فقد غفرت لك الهفوة وتركتك للصبية .
وحكي : أن عبد الملك بن مروان غضب على رجل فهرب منه ، فلما ظفر به أمر بقتله ؛ فقال له الرجل : إن الله قد فعل ما أحببت من الظفر فافعل ما يحبه من العفو ، فإن الانتقام عدل والتجاوز فضل ، والله يحب المحسنين ؛ فعفا عنه . وحكي عن محمد بن حميد الطوسي أنه كان يوماً على غدائه مع جلسائه إذا بصيحة عظيمة على باب داره ، فرفع رأسه وقال لبعض غلمانه : ما هذه الضجة ؟ من كان على الباب فليدخل ؛ فخرج الغلام ثم عاد إليه وقال : إن فلاناً أخذ وقد أوثق بالحديد والغلمان ينتظرون أمرك فيه ؛ فرفع يده من الطعام ؛ فقال رجل من جلسائه : الحمد لله الذي أمكنك من عدوك ، فسبيله أن تسقي الأرض من دمه ؛ وأشار كلٌ من جلسائه عليه بقتله على صفة اختارها ، وهو ساكت ؛ ثم قال : يا غلام ، فك عنه وثاقه ويدخل إلينا مكرماً ، فأدخل عليه رجل لا دمّ فيه ؛ فلما رآه هش إليه ورفع مجلسه وأمر بتجديد الطعام ، وبسطه بالكلام ولقمه حتى انتهى الطعام ، ثم أمر له بكسوة حسنة وصلة ، وأمر برده إلى أهله مكرماً ولم يعاتبه على جرم ولا جنايةٍ ، ثم التفت

الصفحة 58