كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 60 """"""
ذكر ما قيل في العقوبة والانتقام
. ومن الناس من يرجح عقوبة المذنب على ذنبه ، ومقابلة المسيء بما يستحقه من نكاله وضربه ؛ ورأى أن العفو عن المجرم موجب لتكراره ، والإحسان إلى المسيء مقتضٍ لإصراره ، وقال : إن طباع اللؤم التي حملته على ذلك لا ترتدع بالإحسان ، ومرارة الذنب التي استحلاها لا تغيرها حلاوة الغفران .
وأخذ في ذلك بالكتاب والحديث ، وقابل على الذنب القديم بالعذاب الحديث ؛ قال الله تعالى : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " .
وقال تعالى : " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " .
وقد أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقتل أبي عزة ، لما كان يتعرض له من أذى رسول الله صلى عليه وسلم ، وصلب عقبة بن أبي معيطٍ يوم بدر إلى شجرة ؛ فقال : يا رسول الله ، أنا من بين قريش قال : " نعم " ؛ قال : فمن للصبية ؟ قال : " النار " .
وقيل : إنه أول مصلوبٍ صلب في الإسلام .
وكان النضر بن الحارث بن كلدة شديد العداوة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأخذ أسيراً يوم بدر ، فأمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بقتله ، فقتل صبراً بيد علي بن أبي طالب .
وقال علي رضي الله عنه : الخير بالخير والبادئ أفضل ، والشر بالشر والبادئ أظلم .
وقال : " رد الحجر من حيث جاءك " فالشر لا يدفع إلا بالشر ؛ وأنشد :
لئن كنت محتاجاً إلى الحلم إنني . . . إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج
ولي فرسٌ للخير بالخير ملجمٌ . . . ولي فرسٌ للشر بالشر مسرج
فمن رام تقويمي فإني مقوّمٌ . . . ومن رام تعويجي فإني معوّج وقال الجاحظ : من قابل الإساءة بالإحسان فقد خالف الله في تدبيره ، وظن أن رحمة الله دون رحمته ، فإن الله تعالى يقول : " من يعمل سوءاً يجز به " ، وقال : " وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها " ، وقال تعالى : " فمن

الصفحة 60