كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 62 """"""
الحبس ممن يؤمن شره غيرهما فليفرج عنه ودعهما في موضعهما ، فإنه من أطلق مثلهما على الناس فهو شرٌ منهما وشريكهما في فعلهما .
وكتب رجل إلى المأمون - وكان قد طال حبسه - : أغفلت يا أمير المؤمنين أمري ، وتناسيت ذكري ، ولم تتأمل حجتي وعذري ، وقد مل من صبري الصبر ، ومسني في حبسك الضر ؛ فأجابه المأمون : ركوبك مطية الجهل ، صيرك أهلاً للقتل ، وبغيك عليّ وعلى نفسك نقلك من سعة الدنيا إلى قبرٍ من قبور الأحياء ، ومن جهل الشكر على المنن قل صبره على المحن ، فاصبر على عواقب هفواتك وموبقات زلاتك ، على قدر صبرك على كثير جناياتك ؛ فإن حصل في نفسك كفٌ عن معصيتي ، وعزمٌ على طاعتي ، وندمٌ على مخالفتي ، فلن تعدم مع ذلك جميلاً من بيتي والسلام .
وقيل لأعرابي : أ يسرك أن تدخل الجنة ولا تسيء إلى من أساء إليك ؟ قال : بل يسرني أن أدرك الثار وأدخل النار .
قال البحتري :
تذم الفتاة الرؤد شيمة بعلها . . . إذا بات دون الثأر وهو ضجيعها
ويقال : إنما هو مالك وسيفك ، فازرع بمالك من شكرك ، واحصد بسيفك من كفرك .
قال الشاعر :
قط العدا قط اليراع وانتهز . . . بظبا السيوف سوائم الأضغان
إن البيادق إن توسع خطوها . . . أخذت إليك مآخذ الفرزان
وقالوا : العفو يفسد من اللئيم ، بقدر ما يصلح من الكريم .
وقال معاوية ابن يزيد بن معاوية لأبيه : هل ذممت عاقبة حلم قط ؟ قال : ما حلمت عن لئيم وإن

الصفحة 62