كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 70 """"""
وكانت العرب تحمد آراء الشيوخ لتقدمها في السن ، ولأنها لا تتبع حسناتها بالأذى والمن ، ولما مر عليها من التجارب التي عرفت بها عواقب الأمور ، حتى كأنها تنظرها عياناً ، وطرأ عليها من الحوادث التي أوضحت لها طريق الصواب وبينته تبياناً ، ولما منحته من أصالة رأيها ، واستفادته بجميل سعيها .
ولذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : رأي الشيخ خيرٌ من مشهد الغلام . ومن أمثالهم : " زاحم بعودٍ أو دع " .
وقال بعض الشعراء :
لئن فقدوا الشباب فرب عقلٍ . . . أفادوه على مر الليالي
خبت نار الذكاء فأججوها . . . بآراءٍ أحد من النصال
وقد عدل قوم عن ذلك ، وسلكوا في خلافه أوضح الطرق وأنهج المسالك ؛ وقالوا : بل رأي الشباب هو الرأي الصائب ، وفهمهم الفهم الثاقب ؛ ونجم سعدهم الطالع ، وسحاب جدهم الهامع ؛ وإن لهم من الفطنة أوفر نصيب ، وإن سهم رأيهم الرائش المصيب ؛ وإن عقولهم سليمةٌ من العوارض ، وأذهانهم آخذةٌ بحظ وافر من الغوامض .
ولذلك قالت الحكماء : عليكم بآراء الأحداث ومشورة الشبان ، فإن لهم أذهاناً تفل القواصل ، وتحطم الذوابل .
وقالوا : آراء الشباب خضرة نضرة لم يهتصر غصنها هرم ، ولا أذوى زهرتها قدم ، ولا خبا من ذكائها بطول المدة ضرم .
قال شاعر :
عليكم بآراء الشباب فإنها . . . نتائج ما لم يبله قدم العهد
فروع ذكاءٍ تستمد من النهى . . . بأنور في اللأواء من قمر السعد

الصفحة 70