كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 124 """"""
وأما التوشيع - فهو مشتق من الوشيعة ، وهي الطريقة في البرد ، وكأن الشاعر أهمل البيت كله إلا آخره ، فأتى فيه بطريقة تعد من المحاسن ، وهو عند أهل هذه الصناعة أن يأتي المتكلم أو الشاعر باسم مثنى في حشو العجز ، ثم يأتي بعده باسمين مفردين هما عين ذلك المثنى ، يكون الآخر منهما قافية بيته ، أو سجعة كلامه كأنهما تفسير لما ثناه ، كقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) " يشيب ابن آدم وتشب فيه خصلتان : الحرص وطول الأمل " ومن أمثلة ذلك في النظم قول الشاعر :
أمسى وأصبح من تذكاركم وصبا . . . يرثى لي المشفقان الأهل والولد
قد خدد الدمع خدي من تذكركم . . . واعتادني المضنيان الوجد والكمد
وغاب عن مقلتي نومي لغيبتكم . . . وخانني المسعدان الصبر والجلد
لم يبق غير خفي الروح في جسدي . . . فدىً لك الباقيان الروح والجسد .
قال ابن أبي الإصبغ : وما بما قلته في هذا الباب من بأس ، وهو : بي محنتان ملام في هوى بهما . . . رثى لي الفاسقان الحب والحجر
لولا الشفيقان من أمنية وأساً . . . أودى بي المرديان الشوق والفكر
قال : ويحسن أن يسمى ما في بيته مطرف التوشيع ، إذ وقع المثنى في أول كل بيت وآخره .
وأما الإغراق - وهو فوق المبالغة ودون الغلو ومن أمثلته قول ابن المعتز :
صببنا عليها ظالمين سياطنا . . . فطارت بها أيد سراع وأرجل
فموضع الإغراق من البيت قوله : ظالمين ، يعني أنها استقرعت جهدها في العدو فما ضربناها إلا ظلماً فمن أجل ذلك خرجت من الوحشية إلى الطيرية ، ولو لم يقل : ظالمين لما حسن قوله : فطارت ولكنه بذكر الظلم صارت الاستعارة كأنها حقيقة وقد عد من الإغراق لا المبالغة قول امرئ القيس :
تنورتها من أذرعات وأهلها . . . بيثرب أدنى دارها نظر عالي

الصفحة 124