كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 132 """"""
وأما المناسبة - فهي على ضربين : مناسبةٍ في المعنى ، ومناسبةٍ في الألفاظ فالمعنوية أن يبتدئ المتكلم بمعنىً ، ثم يتمم كلامه بما يناسبه معنىً دون لفظ ، كقوله تعالى : " أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون " فقال تعالى في صدر الآية التي الموعظة فيها سمعيةٌ : " أو لم يهد لهم ، وقال بعد ذكر الموعظة : أفلا يسمعون " وقال في صدر الآية التي موعظتها مرئيةٌ : " أو لم يروا " وقال بعد الموعظة : " أفلا يبصرون " .
ومن أمثلة المناسبة المعنوية قول المتنبي :
على سابح موج المنايا بنحره . . . غداة كأن النبل في صدره وبل
فإن بين لفظة السباحة ولفظتي الموج والوبل تناسباً صار البيت به متلاحماً ؛ وقول ابن رشيق :
أصحّ وأقوى ما رويناه في الندى . . . من الخبر المأثور منذ قديم
أحاديث ترويها السيول عن الحيي . . . عن البحر عن جود الأمير تميم فإنه وفي المناسبة حقها في صحة العنعنة برواية السيول عن الحيي عن البحر ، وجعل الغاية فيها جود الممدوح .
والمناسبة اللفظية : توخي الإتيان بكلمات متزنات ، وهي على ضربين : تامة وغير تامة .
فالتامة : أن تكون الكلمات مع الاتزان مقفاة ، فمن شواهد التامة قوله تعالى : " ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجراً غير ممنون " ومن الحديث النبوي - صلاة الله وسلامه على قائله - قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) للحسن والحسين - رضي الله عنهما - : " أعذيكما بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامه " ولم يقل : " ملمة " وهي القياس لمكان المناسبة اللفظية التامة ؛ ومن شواهد الناقصة قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة ؟ أحاسنكم أخلاقاً ، الموطؤن أكنافاً "

الصفحة 132