كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 136 """"""
صحبت بهم طلقاً يراح إلى الندى . . . إذا ما انتشى لم تحتضره مفاقره
ضعيف بحث الكأس قبض بنانه . . . كليل على وجه النديم أظافره
فظاهر هذا أن للمدوح مفاقر لم تحتضره إذا انتشى ، وأن له أظافر يخمش بها وجه نديمه خمشاً ضعيفاً ، وباطن الكلام في الحقيقة نفى المفاقر جملة ، والأظافر بتة .
وأما الايداع - قال : وأكثر الناس يجعلونه من باب التضمين ، وهو منه إلا أنه مخصوص بالنثر ، وبأن يكون المودع نصف بيت ، إما صدراً أو عجزاً .
فمنه قول علي رضي الله عنه في جواب كتاب لمعاوية : ثم زعمت أني لكل الخلفاء حسدت ، وعلى كلهم بغيت ، فإن يكن ذلك كلك فلم تكن الجناية عليك ، حتى تكون المعذرة إليك " وتلك شكاةٌ ظاهرٌ عنك عارها " وأما الإدماج - فهو أن يدمج المتكلم غرضاً له في جملة معنىً من المعاني قد نحاه ليوهم السامع أنه لم يقصده ، وإنما عرض في كلامه لتتمة معناه الذي قصده ، كقول عبيد الله بن الله عبد الله لعبيد الله بن سليمان بن وهب حين وزر للمعتضد - وكان ابن عبيد الله قد اختلت حاله - فكتب إلى ابن سليمان :
أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا . . . وأسعفنا فيمن نحب ونكرم
فقلت له نعماك فيهم أتمها . . . ودع أمرنا إن المهم المقدم
فأدمج شكوى الزمان في ضمن التهنئة ، وتلطف في المسألة مع صيانة نفسه عن التصريح بالسؤال .
وأما سلامة الاختراع - فهو أن يخترع الشاعر معنىً لم يسبق إليه ولم يتبعه أحد فيه ، كقول عنترة في الذباب :
هزجا يحك ذراعه بذراعه . . . قدح المكب على الزناد الأجذم

الصفحة 136