كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 140 """"""
فانظر إلى ما أتى به أبو تمام في هذه الأبيات من العنوانات من السيرة النبوية وأيام العرب ، وأخبار بني جعفر بن كلاب ، ورجوعهم إلى ابن عمهم جواب ؛ وكقوله أيضاً لأحمد بن أبي داؤد :
تثبت إن قولاً كان زوراً . . . أتى النعمان قبلك عن زياد
وأرث بين حي بني جلاح . . . لظى حرب بني مصاد
وغادر في صدور الدهر قتلى . . . بني بدر على ذات الإصاد
فأتى بعنوان يشير به إلى قصة النابغة حين وشى به إلى النعمان ، فجر ذلك من الحروب ما تضمنت أبياته .
وأما الإيضاح - وهو أن يذكر المتكلم كلاماً في ظاهره لبسٌ ، ثم يوضحه في بقية كلامه ، كقول الشاعر :
يذكرنيك الخير والشر كله . . . وقيل الخنا والعلم والحلم والجهل
فإن الشاعر لو اقتصر على هذا البيت لأشكل مراده على السامع بجمعه بين ألفاظ المدح والهجاء ، فلما قال بعد :
فألقاك عن مكروهها متنزهاً . . . وألقاك في محبوبها ولك الفضل
أوضح المعنى المراد ، وأزال اللبس ، ورفع الإشكال والشك . وأما التشكيك - فهو أن يأتي المتكلم في كلامه بلفظةٍ تشكك المخاطب هل هي فضلةٌ أو أصلية لا غنى للكلام عنها ؟ مثل قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ " فإن لفظة تشكك السامع هل هي فضلةٌ أو أصلية ؟ فالضعيف النظر يظنها فضلةً لأن لفظة تداينتم تغني عنها ، والناظر في علم البيان يعلم أنها أصلية لأن لفظة الدين لها محامل ، تقول : داينت فلاناً المودة ، يعني جازيته ، ومنه : " كما تدين تدان " ومنه قول رؤبة :
داينت أروى والديون تقضى . . . فمطلت بعضاً وأدت بعضاً

الصفحة 140