كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 145 """"""
فإن في كل من صدر البيت وعجزه استعارة ومبالغة ، وإنما التي في العجز أبلغ .
ومما اقترن فيه الإرداف بالاستعارة قول تميم بن مقبل :
لدن غدوه حتى نزعنا عشية . . . وقد مات شطر الشمس والشطر مدنف
فإنه عبر بموت شطر الشمس عن الغروب ، واستعار الدنف للشطر الثاني .
وأما الإبداع - فهو أن يأتي في البيت الواحد من الشعر ، أو القرينة الواحدة من النثر بعدة ضروب من البديع بحسب عدد كلماته أو جمله ، وربما كان في الكلمة الواحدة المفردة ضربان من البديع ، ومتى لم تكن كل كلمة بهذه المثابة فليس بإبداع . قال ابن أبي الإصبغ : وما رأيت فيما استقريت من الكلام كآية استخرجت منها أحداً وعشرين ضرباً من المحاسن ، وهي قوله تعالى : " وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين " : وهي المناسبة التامة في " ابلعي " و " أقلعي " ؛ والمطابقة بذكر الأرض والسماء ؛ والمجاز في قوله : " يا سماء " ، فإن المراد - والله أعلم - يا مطر السماء ؛ والاستعارة في قوله تعالى : " أقلعي " ؛ والإشارة في قوله تعالى : " وغيض الماء " فإنه عبر بهاتين اللفظتين عن معان كثيرة ؛ والتمثيل في قوله تعالى : " وقضى الأمر " فإنه عبر عن هلاك الهالكين ونجاة الناجين بغير لفظ المعنى الموضوع له ؛ والإدارف في قوله : " واستوت على الجودي " فإنه عبر عن استقرارها بهذا المكان استقراراً متمكناً بلفظ قريب من لفظ المعنى ؛ والتعليل ، لأن غيض الماء علة الاستواء ؛ وصحة التقسيم إذا استوعب الله تعالى أقسام أحوال الماء حالة نقصه ، إذ ليس إلا احتباس ماء السماء ، واحتقان الماء الذي ينبع من الأرض ، وغيض الماء الحاصل على ظهرها ؛ والاحتراس في قوله تعالى : " وقيل بعداً للقوم الظالمين " إذ الدعاء عليهم يشعر أنهم مستحقو الهلاك احتراساً من ضعيف العقل يتوهم أن العذاب شمل من يستحق ومن لا يستحق ،

الصفحة 145