كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 146 """"""
فتأكد بالدعاء كونهم مستحقين ؛ والإيضاح في قوله : " للقوم " ليبين أن القوم الذين سبق ذكرهم في الآية المتقدمة حيث قال : " وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه " هم الذين وصفهم بالظلم ليعلم أن لفظة القوم ليست فضلة وأنه يحصل بسقوطها لبسٌ في الكلام ؛ والمساواة لأن لفظ الآية لا يزيد على معناها ؛ وحسن النسق ، لأنه تعالى عطف القضايا بعضها على بعض بحسن ترتيب ، وائتلاف اللفظ مع المعنى ، لأن كل لفظة لا يصلح موضعها غيرها ؛ والإيجاز ، لأنه سبحانه وتعالى اقتص القصة بلفظها مستوعبة بحيث لم يخل منها بشيء في أقصر عبارة ، والتسهيم ، لأن أول الآية إلى قوله : " أقلعي " يقتضى آخرها ؛ والتهديب ، لأن مفردات الألفاظ موصوفةٌ بصفات الحسن ، عليها رونق الفصاحة ، سليمةٌ من التعقيد والتقديم والتأخير ؛ والتمكن ، لأن الفاصلة مستقرةٌ في قرارها ، مطمئةٌ في مكانها ؛ والانسجام ، وهو تحدر الكلام بسهولة كما ينسجم الماء ؛ وما في مجموع الآية من الإبداع ، وهو الذي سمي به هذا الباب ، فهذه سبع عشرة لفظةً تضمنت أحداً وعشرين ضرباً من البديع غير ما تكرر من أنواعه فيها .
وأما الانفصال - فهو أن يقول المتكلم كلاماً يتوجه عليه فيه دخلٌ لو اقتصر عليه ، فيأتي بما يفصله عن ذلك الدخل ، كقول أبي فراس :
ولقد نبيّت إبلي . . . س إذا راك يصد
ليس من تقوى ولكن . . . ثقل فيك وبرد
والفرق بين هذا وبين الاحتراس خلو الاحتراس من الدخل عليه من كل وجه .
وأما التصرف - فهو أن يتصرف المتكلم في المعنى الذي يقصده ، فيبرزه في عدة صور : تارة بلفظ الاستعارة ، وطوراً بلفظ التشبيه ، وآونة بلفظ الإرداف وحيناً بلفظ الحقيقة ، كقول امرئ القيس يصف الليل :
وليلٍ كموج البحر مرخ سدوله . . . عليّ بأنواه الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه . . . وأردف أعجازاً وناء بكلكل
فإنه أبرز المعنى بلفظ الاستعارة ، ثم تصرف فيه فأتى بلفظ التشبيه فقال :
فيالك من ليل كأن نجومه . . . بكل مغار الفتل شدت بيذبل

الصفحة 146