كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 148 """"""
وأما التهكم - فالفرق بينه وبين الهزل الذي يراد به الجد أن التهكم ظاهره جد وباطنه هزل ، والهزل الذي يراد به الجد على العكس منه ، فمن التهكم قول الوجيه الذروري في ابن أبي حصينة من أبيات :
لا تظنن حدبة الظهر عيباً . . . فهي في الحسن من صفات الهلال
وكذاك القسي محدوباتٌ . . . وهي أنكى من الظبا والعوالي
وإذا ما علا السنام ففيه . . . لقروم الجمال أي جمال
وأرى الانحناء في مخلب البا . . . زي ولم يعد مخلب الرئبال
كوّن الله حدبة فيك إن شئ . . . ت من الفضل أو من الإفضال
فأنت ربوةً على طود علم . . . وأتت موجةً ببحر نوال
ما رأتها النساء إلا تمنت . . . أنها حليةٌ لكل الرجال
ثم ختمها بقوله :
وإذا لم يكن من الهجر بدٌ . . . فعسى أن تزورنا في الخيال
وكقول ابن الرومي :
فياله من عمل صالح . . . يرفعه الله إلى أسفل
وأما التدبيج - وهو أن يذكر الشاعر أو الناثر ألواناً يقصد بها الكناية أو التورية بذكرها عن أشياء من وصف أو مدح أو هجاء أو نسيب أو غير ذلك من الفنون ، فمن ذلك قول الحريري في بعض مقاماته : فمذ ازور المحبوب الأصفر واغبر العيش الأخضر ، اسود يومي الأبيض ، وابيض فودي الأسود ، حتى رثى لي العدو الأزرق ، فحبذا الموت الأحمر .
وهذا التدبيج بطريق التورية . وقال بعض المتأخرين يصف موقف السلطان الملك الناصر بمصاف شقحب الكائن بينه وبين التتار في شهر رمضان سنة اثنتين وسبعمائة : وما زال بوجهه الأبيض ، تحت علمه الأصفر ، يكابد الموت الأحمر ، تجاه العدو الأزرق ، إلى أن حال بينهما الليل الأسود ، وبكّر في غرة نهار الأحد الأشعل

الصفحة 148