كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 151 """"""
وأما الحل - وهو باب متسع المجال ، وملاك أمر المتصدي له أن يكون كثير الحفظ للأحاديث النبوية والآثار والأمثال والأشعار لينفق منها وقت الاحتياج إليها .
قال : وكيفية الحل أن يتوخى هدم البيت المنظوم ، وحلّ فرائده من سلكه ، ثم يرتب تلك الفرائد وما شابهها ترتيب متمكن لم يحصره الوزن ، ويبرزها في أحسن سلك ، وأجمل قالب ، وأصح سبك ، ويكملها بما يناسبها من أنواع البديع إن أمكن ذلك من غير كلفةٍ ، ويتخير لها القرائن ، وإذا تم معه المعنى المحلول في قرينة واحدة يغرم له من حاصل فكره ، أو من ذخيرة حفظه ما يناسبه ، وله أن ينقل المعنى إذا لم يفسده إلى ما شاء ، فإن كان نسيباً وتأتى له أن يجعله مديحاً فليفعل ، وكذلك غيره من الأنواع ؛ وإذا أراد الحل بالمعنى فلتكن ألفاظه مناسبةً لألفاظ البيت المحلول غير قاصرة عنها ، فمتى قصرت عنها ولو بلفظة واحدة فسد ذلك الحل وعدّ معيباً ، وإذا حلّ باللفظ فلا يتصرف بتقديم ولا تأخير ولا تبديل إلا مع مراعاة نظام الفصاحة في ذلك ، واجتناب ما ينقص المعنى ويحط رتبته ؛ وهذا الباب لا تنحصر المقاصد فيه ، ولا حجر على المتصرف فيه .
قال : ومما وقع التصرف فيه بزيادة على المعنى قول ضياء الدين بن الأثير الجزري في ذكر العصا التي يتوكأ عليها الشيخ الكبير : وهذه لمبتدأ ضعفي خير ، ولقوس ظهري وتر ، وإذا كان إلقاؤها دليلاً على الإقامة فإن حملها دليل على السفر .
والمحلول في ذلك قول بعضهم : كأنني قوس رامٍ وهي لي وتر وقول الآخر :
فألقت عصاها واستقرت بها النوى . . . كما قر عيناً بالإياب المسافر
وأما ما يحتاج فيه إلى مؤاخاة القرينة المحلولة بمثلها أو ما يناسبها فكما قال المولى شهاب الدين محمود في تقليد : فكم مل ضوء الصبح مما يغيره ، وظلام النقع مما يثيره ، وحديد الهند مما يلاطمه والأجل مما يسابقه إلى قبض الأرواح ويزاحمه .
والقرينتان الأوليان نصفا بيتين للمتنبي ، فأضاف إلى كل قرينة ما يناسبها ، وهذا من أكثر ما يستعمل في الكتابة ، ولا ينبغي للكاتب أن يعتمد في جميع كاتبه على الحل ، فيتكل خاطره على ذلك ، ويذهب رونق الطبع السليم ، وتقل مادة الانسجام ، بل

الصفحة 151