كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 153 """"""
- وإن صح وشرف - لفظاً مختلفاً عن قدر المكتوب إليه لم تجربه عادته تهجينٌ للمعنى وإخلالٌ بقدره ، وظلم يلحق المكتوب إليه ، ونقص ما يجب له ، كما أن في اتباع تعارفهم ، وما انتشرت به عادتهم ، وجرت به سنتهم ، قطعاً لعذرهم ، وخروجاً من حقوقهم ، وبلوغاً إلى غاية مرادهم ، وإسقاطاً لحجة أدبهم .
وقال أحمد بن محمد بن عبد ربه : فامتثل هذه المذاهب ، واجر على هذا القوام ، وتحفظ في صدور كتبك وفصولها وافتتاحها وخواتهما ، وضع كل معنى في موضع يليق به ، وتخير لكل لفظة معنى يشاكلها ، وليكن ما تختم به فصولك في موضع ذكر البلوى بمثل : " نسأل الله دفع المحذور ، وصرف المكروه " وأشباه ذلك ؛ وفي موضع ذكر المصيبة : " إنا لله وإنا إليه راجعون " ؛ وفي موضع ذكر النعمة : " الحمد لله خالصاً ، والشكر لله واجباً " وما يشاكل ذلك ، فإن هذه المواضع مما يتعين على الكاتب أن يتفقده ويتحفظ منه ، فإن الكاتب إنما يصير كاتباً بأن يضع كل معنى في موضعه ، ويعلق كل لفظة على طبقتها في المعنى .
قال : واعلم أنه لا يجوز في الرسائل استعمال ما أتت به آي القرآن من الاختصار والحذف ، ومخاطبة الخاص بالعام والعام بالخاص ، لأن الله تعالى إنما خاطب بالقرآن قوماً فصحاء فهموا عنه - جل ثناؤه - أمره ونهيه ومراده ، والرسائل إنما يخاطب بها قوم دخلاء على اللغة لا علم بلسان العرب ؛ وكذلك ينبغي للكاتب أن يتجنب اللفظ المشترك ، والمعنى الملتبس ، فإنه إن ذهب ليكاتب على معنى قول الله تعالى : " واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها " وكقوله تعالى " بل مكر الليل والنهار " احتاج أن يبين أن معناه : اسأل أهل القرية ، وأهل العير ، وبل مكركم بالليل والنهار ؛ قال : وكذلك لا يجوز أيضاً في الرسائل والبلاغات المنثورة ما يجوز في الأشعار الموزونة ، لأن الشاعر مضطر ، والشعر مقصور مقيد بالوزن والقوافي ، فلذلك أجازوا لهم صرف ما لا ينصرف من الأسماء ، وحذف ما لا يحذف منها ، واغتفروا فيه سوء النظم ، وأجازوا فيه التقديم والتأخير ، والإضمار في موضع الإظهار ، وذلك كله غير سائغ في الرسائل ، ولا جائز في البلاغات ؛

الصفحة 153