كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 155 """"""
قال الشاعر :
إن الجديد إذا ما زيد في خلق . . . يبين للناس أن الثوب مرقوع
انتهى ما أورده ابن عبد ربه .
وقال المولى الفاضل شهاب الدين محمود الحلبي : ومما يتعين على الكاتب استعماله ، والمحافظة عليه ، والتمسك به ، إعطاء كل مقام حقه ، فإذا كتب في أوقات الحروب إلى نواب الملك عنه ، وإلى مقدمي الجيوش والسرايا ، فليتوخ الإيجاز والألفاظ البليغة الدالة على القصد من غير تطويل ولا بسط يضيع المقصد ، ويفصل الكلام بعضه من بعض ، ولا تهويل لأمر العدو يضعف به القلوب ، ولا تهوينٍ لأمر يحصل به الاغترار . وذكر لذلك أمثلة من إنشائه .
قال : فمن ذلك صورة كتاب أنشأته إلى مقدم سرية كشفٍ - ولم أكتب به - وهو : لازال أخف في مقاصده من وطأة ضيف ، وأخفى في مطالبة من زورة طيف ، وأسرع في تنقله من سحابة صيف ، وأروع للعدا في تطلعه من سلة سيف ، حتى يعجب عدو الدين في الاطلاع على عوراته من أين دهي وكيف ؟ ويعلم أن من أول قسمته اللقاء حصل عليه في مقاصده الحيف ؛ أصدرناها إليه نحثه على الركوب بطائفة أعجل من السيل ، وأهول من الليل ، وأيمن من نواصي الخيل ؛ وأقدم من النمر ، وأوقع على المقاصد من الغيث المنهمر ، وأروغ في مخاتلة العدا من الذئب الحذر ؛ على خيل تجري ما وجدت فلاه ، وتطيع راكبها مهما أراد منها سرعةً أو أناة ، تتنسم الحبال الصم كالوعل ، وإذا جارتها البروق غدت وراءها " تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوجل " وليكن كالنجم في سراه ، وبعد ذراه ؛ إن جرى فكسهم ، وإن خطر فكوهم ؛ وإن طلب فكالليل الذي هو مدرك ، وإن طلب فكالجنة التي لا يجد ريحها مشرك ؛ حتى يأتي على عدو من كل شرف ، ويرى جمعه من كل طرف ، ولا يسرف في الإقامة عليه إلا إذا علم أن الخير في السّرف ؛ وليحرز جمعهم ، ويسبق إلى التحرّز منهم بصرهم وسمعهم ؛ وينظرهم بعين منعها الحزم أن ترى العدد الكثير قليلاً ، وصدّها العزم أن ترى العدوّ الحقير جليلاً ؛ بل ترى الأمر على فصه ، وتروي الخبر
الصفحة 155
236