كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 156 """"""
على نصه ؛ وإن وجد مغرراً فليأخذ خبره ، إن قدر على الإتيان بعينه وإلا فليذهب أثره ؛ ولا يهيج فيما لديه نار حرب إلا بعد الثقة بإطفائها ، ولا يوقظ عليه عين عدو مهما ظهر له أن المصلحة في إغفائها ؛ وليكشف من أمورهم ما يبدي عند الملتقى عورتهم ، ويخمد في حالة الزحف فورتهم ؛ وليجعل قلبه في ذلك ربيئة طرفه ، وطليعة طرفه ، وسرية كشفه والله تعالى يمده بلطفه ، ويحفظه بمعقبات من بين يديه ومن خلفه . وإذا كتب عن الملك في أوقات حركات العدو إلى أهل الثغور يعلمهم بالحركة للقاء العدو ، فليبسط القول في وصف العزائم ، وقوة الهمم ، وشدة الحمية للدين ، وكثرة العساكر والجيوش ، وسرعة وطي المراحل ، ومعالجة العدو ، وتخييل أسباب النصر ، والوثوق بعوائد الله في الظفر ، وتقوية القلوب منهم ، وبسط آمالهم ، وحثهم على التيقظ ، وحضهم على حفظ ما بأيديهم ، وما أشبه ذلك ، ويبرزه في أمتن كلام وأجله وأمكنه ، وأقربه من القوة والبسالة ، وأبعده من اللين والرقة ، ويبالغ في وصف الإنابة إلى الله تعالى ، واستنزال نصره وتأييده ، والرجوع إليه في تثبيت الأقدام ، والاعتصام به في الصبر ، والاستعانة به على العدو ، والرغبة إليه في خذلانهم ، وزلزلة أقدامهم ، وجعل الدائرة عليهم ، دون التصريح بسؤال بطلان حركتهم ، ورجاء تأخرهم ، وانتظار العرضيات في خلفهم ، لما في ذلك من إبهام الضعف عن لقائهم واستشعار الوهن والخوف منهم ، وليسلك في مثل ذلك كما سلك المولى شهاب الدين محمود في نحو ما كنب في صدر كتاب سلطاني إلى بعض نواب الثغور عند حركة العدو ، فإنه قال : أصدرناها ومنادي النفير قد أعلن : يا خيل الله اركبي ، ويا ملائكة الرحمن اصحبي ويا وفود الظفر والتأييد اقربي ؛ والعزائم قد ركضت على سوابق الرعب إلى العدا والهمم قد نهضت إلى عدو الإسلام فلو كان في مطلع الشمس لاستقربت ما بينها وبينه من المدى ؛ والسيوف قد أنفت من الغمود فكادت تنفر من قربها ، والأسنة قد ظمئت إلى موارد القلوب فتشوقت إلى الارتواء من قلبها ؛ والكماة قد زأرت كالليوث إذا دنت من فرائسها ، والجياد قد مرحت لما عودتها من الانتعال بجماجم الأبطال فوارسها ؛ والجيوش قد كاثرت النجوم أعدادها ، وسايرتها للهجوم على أعداء الله من ملائكة الكرام أمدادها ؛ والنفوس قد أضرمت الحمية نار غضبها ،
الصفحة 156
236