كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 157 """"""
وعداها حر الإشفاق على ثغور المسلمين عن برد الثغور وطيب شنبها ، والنصر قد أشرقت في الوجود دلائله ، والتأييد قد ظهرت على الوجوه مخايله ، وحسن اليقين بالله في إعزاز دينه قد أنبأت بحسن المآل أوائله ؛ والألسن باستنزال نصر الله لهجه والأرجاء بأرواح القبول أرجه ، والقلوب بعوائد لطف الله بهذه الأمة مبتهجه والحماة وما منهم إلا من استظهر بإمكان قوته وقوة إمكانه ، والأبطال وليس فيهم من يسأل عن عدو بل عن مكانه ؛ والنيات على طلب عدو الله حيث كان مجتمعه والخواطر مطمئنةٌ بكونها مع الله بصدقها ، ومن كان مع الله كان الله معه ؛ وما بقي إلا طي المراحل ، والنزول على أطراف الثغور نزول الغيث على البلد الماحل ؛ والإحاطة بعدو الله من كل جانب ، وإنزال نفوسهم على حكم الأمرين الأمرّين : من عذاب واصب ، وهمّ ناصب ؛ وإحالة وجودهم إلى العدم ، وإجالة السيوف التي إن أنكرتها أعناقهم فما بالعهد من قدم ؛ واصطلامهم على أيدي العصابة المؤيدة بنصر الله في حربها ، وابتلائهم من حملاتها بريح عادٍ التي تدمر كل شيء بأمر ربها ؛ فليكن مرتقباً لطلوع طلائعها عليه ، متيقناً من كرم الله استئصال عدوه الذي إن فر أدركته من ورائه ، وإن ثبت أخذته من بين يديه ؛ وليجتهد فبه حفظ ما قبله من الأطراف وضمها ، وجمع سوام الرعايا من الأماكن المتخوفة ولمها ، وإصلاح ما يحتاج إلى إصلاحه من مسالك الأرباض المتطرفة ورمها ، فإن الاحتياط على كل حال من آكد المصالح الإسلامية وأهمها ؛ فكأنه بالعدو وقد زال طمعه ، وزاد ظلعه ؛ وذم عقبى مسيره ، وتحقق سوء منقلبه ومصيره ، وتبرأ منه الشيطان الذي دلاه بغروره ، وأصبح لحمه موزعاً بين ذئاب الفلا وضباعها ، وبين عقبان الجو ونسوره ؛ ثقةً من وعد الله الذي تمسكنا منه باليقين ، وتحققنا أن الله ينصر من ينصره وأن العاقبة للمتقين .
قال : وزيادة البسط في ذلك ونقصها بحسب المكتوب إليه . وإذا كتب في التهاني بالفتوح ، فليس إلا بسط الكلام ، والإطناب في شكر نعم الله ، والتبرؤ من الحول والقوة إلا به ، ووصف ما أعطى من النصر ، وذكر ما منح من الثبات ، وتعظيم ما يسر من الفتح ؛ ثم ما وصف بعد ذلك من عزمٍ وإقدامٍ وصبرٍ وجلد عن الملك وعن جيشه حسن وصفه ، ولاق ذكره ، وراق التوسيع فيه ، وعذب بسط الكلام فيه ؛ ثم كلما اتسع مجال الكلام في ذكر الواقعة ووصفها كان أحسن وأدل على البلاغة ، وأدعى لسرور المكتوب إليه ، وأحسن لموقع المنة عنده ، وأشهى إلى سمعه ، وأشفى لغليل تشوقه إلى معرفة الحال على جليته ، ولا بأس بتهويل أمر
الصفحة 157
236