كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 158 """"""
العدو ، ووصف جمعه وإقدامه ، فإن تصغير أمره تحقيرٌ للظفر به ؛ وقد ذكرنا في باب التهاني من ذلك ما تقدم شرحه ، فلنذكر في هذا الموضع من كلامه فيه ما لم نورده في باب التهاني ؛ قال : وإن كان المكتوب إليه ملكاً صاحب مملكة منفردة تعين أن يكون البسط أكثر ، والإطناب أمد ، والتهويل أبلغ ، والشرح أتم ؛ فمن ذلك فصلٌ كتبته في جواب ابن الأحمر صاحب غرناطة من جزيرة الأندلس ، قال : أما بعد حمد الله الذي أيدنا بجنوده ، وأنجز لنا من نصر الأمة صادق وعوده وخصنا من استدامة الفتوح بمزايا مزيده ، وأيدنا بنصره ، ونصرنا بتأييده والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف رسله ، وخاتم أنبيائه ، وأكرم عبيده ، وأعز من دعا الأمم وقد أنكرت خالقها إلى الإقرار بتوحيده ، وعلى آله وصحبه الذين أشرق أفق الدين منهم بكواكب سعوده ؛ فإنا أصدرناها ونعم الله تعالى بنا مطيفه ، ومواقع نصره عندنا لطيفه ، وجنود تأييده لممالك الأعداء إلى ممالكنا الشريفة مضيفه ، وثغور الإسلام بذبنا عن دين الله منيره ، وبإعلائنا منار الهدى منيفه ؛ ونحن نحمد الله على ذلك حمداً نستدر به أخلاف الظفر ، ونستديم به مواد التأييد على من كفر ؛ ونستمد به عوائد النصر التي كم أقدمها علينا إقدام ، وأسفر لنا عنها وجه سفر ؛ ونهدي إليه ثناءً تعبق بنشر الرياض خمائله ، وتنطق بمحض الوداد مخايله ، وتشرق على أفق مفاخره غدواته وأصائله ؛ يشافه مجده بمصونه ، ويصارح فخره بمكنونه ، ويجلو على حضرته العلية عقائل الشرف من أبكار الهناء وعونه ؛ ونبدي لعلمه الكريم ورود كتابه الجليل مسفراً عن لوامع صفائه ، منبئاً بجوامع وده ووفائه ؛ مشرقاً بلآلىء فرائده ، محدقاً بروض كرمه الذي سعد رأي رائده ، محتوياً على سروره بما بلغه من أنباء النصرة التي سارت بها إليه سرعان الركبان ، وذلت بعز ما تلي منها عليه عباد الصلبان ؛ وطبّق ذكرها المشارق والمغارب ، ومزقت مواكب أعداء الله التتار وهم في رأي العين أعداد الكواكب ، وخلطت التراب بدمائهم حتى لم يبح بها التيمم ، ومزجت بها الفرات حتى ما تحل لشارب ؛ وهي النصرة التي لا يدرك الوصف كنهها ، ولا تعرف لها البلاغة مشبهاً فتذكر شبهها ؛ ولا يتسع نطاق النطق لذكرها ، ولا تنهض الألسنة على طول الأبد بشكرها ؛ فإن التتار المخذولين أقبلوا كالرمال ، واصطفوا كالجبال ؛ وتدفقوا كالبحار الزواخر ، وتوالوا كالأمواج التي لا يعرف لها الأول من الآخر ؛ فصدمتهم جيوشنا المنصورة صدمةً بددت شملهم ، وعلمت الطير أكلهم ؛ وحصرتهم في
الصفحة 158
236