كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 159 """"""
الفضاء ، وطالبت أرواحهم الكافرة بدين دينها وأسرفت في الاقتضاء ؛ وحصدت منهم سيوفنا المنصورة ما يخرج عن وصف الواصف ، ومزقت بقيتهم في الفلوات فكانوا كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ؛ وأحاطت بهم كتائبنا المنصورة فلم ينج إلا من لا يؤبه له من فريقهم ، وقسمتهم جيوشنا المؤيدة من الفلوات إلى الفرات بين القتل والأسر ، فلم يخرج عن تلك القسمة غير غريقهم ؛ وأعقبتهم تلك الكسرة أن هلك طاغيتهم أسفاً وحسره ، وحزناً على من قتل من تلك المقاتلة ، وأسر من تلك الأسره ، وأماته الرعب من جيوشنا المنصورة فجاءه ، واستولى عليه الوجل فجاءه من أمر الله ما جاءه ؛ وقعد أخوه بعده مكانه ، والخوف من عساكرنا يضعضع أركانه ، والفرق من جيوشنا يفرق أعوانه ، ويمزق إخوانه ، ويوهي سلطانه ويبرئ منه شيطانه ؛ فلاذ بالالتجاء إلى سلمنا ، وعاذ بإسناد الرجاء إلى كفنا عنه وحلمنا ؛ فكرر رسله ورسائله مستعطفاً ، ووالى كتبه ووسائله مستعفياً من حربنا ومستسعفاً ؛ وها هو الآن وجنوده يتوسلون بالخضوع إلى مراحمنا ، ويتوصلون ببذل الطاعة إلى مكارمنا ؛ ويسألون صفح الصفاح الإسلامية عن رقابهم ، ويبدون ما أظهره الله عليهم من الذل الذي جعلته تلك النصرة خالداً في أعقابهم ؛ وسيوفنا تأبى قبول وسائلهم ، وتصر على نهر سائلهم ، وتمنع من الكف عن مقاتلهم ، وتأنف أن تغمد إلا في قمم محاربهم ومقاتلهم ؛ ونحن على ما نحن من الأهبة لغزوهم في عقر دارهم ، وانتزاع مواطن الخلافة وغيرها من ممالك الإسلام من بين نيوبهم وأظفارهم ، مستنصرين بالله على من بقي في خط المشرق منهم ، قائمين فيهم بفرض الجهاد الذي لولا دفاع الله به لم يمتنع خط المغرب عنهم ؛ " ولينصرن الله من ينصره " ولو عددنا نعم الله علينا حاولنا عدّ ما لا نحصيه ولا نحصره .
وإن اضطر أن يكتب بمثل ذلك إلى ملك غير مسلم لكنه غير محارب ، فالحكم في ذلك أن يذكر من أسباب المودة ما يقتضي المشاركة في المسار ، وأن أمر هذا العدد مع كثرته أخذ بأطراف الأنامل ، وآل أمره إلى ما آل ، ويعظم ذكر ما جرى عليه من القتل والأسر ، وتلك عوائد نصر الله ، وانتقامه ممن عادانا ؛ فمن ذلك ما أشنأه المشار إليه لبعض ملوك البحر - ولم يكتب به - وهو : صدرت هذه المكاتبة مبشرةً بما منحنا الله من نصرة أجزل الصفاء منها سهمه ، وأكمل الوفاء من التهنئة بها قسمه ؛ وخصه الوداد بأجل أجزائها ، وأجلسه الاتحاد على أسرة مسرتها إذا أجلس العناد غيره على بساط عزائها ؛ علماً بأنه الصديق

الصفحة 159